والقرض فإنه يصير قصاصا سواء جعلاه قصاصا أو لا بعد إن كان وجوب الدين الآخر متأخرا عن العقد لأن العقد ان انعقد موجبا قبضا حقيقة فقد وجد ههنا لكن قبض الغصب والقرض قبض حقيقة فيجعل عن قبض رأس المال لأنه واجب وقبض الغصب محظور وقبض القرض ليس بواجب فكان ايقاعه عن الواجب أولى بخلاف ما تقدم لان هناك لم يوجد القبض حقيقة والقبض بطريق المقاصة يمكن في أحد الفصلين دون الآخر على ما بينا والله عز وجل أعلم هذا إذا تساوى الدينان فاما إذا تفاضلا بأن كان أحدهما أفضل والاخر أدون فرضى أحدهما بالقصاص وأبى الآخر فإنه ينظر ان أبى صاحب الأفضل لا يصير قصاصا لان حقه في الجودة معصوم محترم فلا يجوز ابطاله عليه من غير رضاه وان أبى صاحب الأدون يصير قصاصا لأنه لما رضى به صاحب الأفضل فقد أسقط حقه عن الفضل كأنه قضى دينه فأعطاه أجود مما عليه وهناك يجبر على الاخذ كذا هذا والله سبحانه وتعالى أعلم وكذلك المقاصة في ثمن الصرف تخرج على هذه التفاصيل التي ذكرناها في رأس مال السلم فافهم والله الموفق للصواب ثم ما ذكرنا من اعتبار هذا الشرط وهو قبض رأس المال حال بقاء العقد فأما بعد ارتفاعه بطريق الإقالة أو بطريق آخر فقبضه ليس بشرط في مجلس الإقالة بخلاف القبض في مجلس العقد وقبض بدل الصرف في مجلس الإقالة انه شرط لصحة الإقالة كقبضهما في مجلس العقد (ووجه) الفرق أن القبض في مجلس العقد في البابين ما هو شرط لعينه وإنما هو شرط للتعيين وهو أن يصير البدل معينا بالقبض صيانة عن الافتراق عن دين بدين على ما بينا ولا حاجة إلى التعيين في مجلس الإقالة في السلم لأنه لا يجوز استبداله فيعود إليه عينه فلا تقع الحاجة إلى التعيين بالقبض فكان الواجب نفس القبض فلا يراعى له المجلس بخلاف الصرف لان التعيين لا يحصل الا بالقبض لان استبداله جائز فلا بد من شرط القبض في المجلس ليتعين والله سبحانه وتعالى أعلم (فصل) وأما الذي يرجع إلى المسلم فيه فأنواع أيضا (منها) أن يكون معلوم الجنس كقولنا حنطة أو شعير أو تمر (ومنها) أن يكون معلوم النوع كقولنا حنطة سقية أو نحسية تمر برنى أو فارسي هذا إذا كان مما يختلف نوعه فإن كان مما لا يختلف فلا يشترط بيان النوع (ومنها) أن يكون معلوم الصفة كقولنا جيد أو وسط أو ردئ (ومنها) أن يكون معلم القدر بالكيل أو الوزن أو العد أو الذرع لان جهالة النوع والجنس والصفة والقدر جهالة مفضية إلى المنازعة وانها مفسدة للعقد وقال النبي عليه الصلاة والسلام من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم (ومنها) أن يكون معلوم القدر بكيل أو وزن أو ذرع يؤمن عليه فقده عن أيدي الناس فإن كان لا يؤمن فالسلم فاسد بان أعلم قدره بمكيال لا يعرف عياره بان قال بهذا الاناء ولا يعلم كم يسع فيه أو بحجر لا يعرف عياره بان قال بهذا الحجر ولا يعلم كم وزنه أو بخشبة لا يعرف قدرها بان قال بهذه الخشبة ولا يعرف مقدارها أو بذراع يده ولو كان هذا في بيع العين بان قال بعتك من هذه الصبرة ملء هذا الاناء بدرهم أو من هذا الزيت وزن هذا الحجر بدرهم يجوز في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله انه لا يجوز في بيع العين أيضا كما لا يجوز في السلم وروى عن أبي يوسف انه كأن يقول أولا لا يجوز ثم رجع وقال يجوز (وجه) هذه الرواية ان هذا البيع مكايلة والعلم بمقدار المبيع في بيع المكايلة شرط الصحة ولم يوجد فيفسد كما لو باع قفزانا من هذه الصبرة ولظاهر الرواية الفرق بين السلم وبين بيع العين (ووجه) الفرق بينهما من وجهين أحدهما ان التسليم في باب السلم لا يجب عقيب العقد وإنما يجب بعد محل الأجل فيحتمل أن يملك الاناء قبل محل الأجل وهذا الاحتمال ان لم يكن غالبا فليس بنادر أيضا وإذا هلك يصير المسلم فيه مجهول القدر بخلاف بيع العين لأنه يوجب التسليم عقيب العقد وهلاك القفيز عقيب العقد بلا فصل نادر والنادر ملحق بالعدم فلا يصير المبيع مجهول القدر والثاني ان القدرة على تسليم المبيع شرط انعقاد العقد وصحته والقدرة على التسليم عند العقد فائتة في باب السلم لان السلم بيع المفاليس وفى ثبوت القدرة عند محل الأجل شك قد تثبت وقد لا تثبت لأنه ان بقي المكيال والحجر والخشبة تثبت وان لم يبق لا يقدر فوقع
(٢٠٧)