أن يتماسا فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا أي فعليهم ذلك لما قلنا (وأما) كفارة الافطار فلا ذكر لها في الكتاب العزيز وإنما عرف وجوبها بالسنة وهو ما روى أن اعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله هلكت وأهلكت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا صنعت فقال واقعت امرأتي في شهر رمضان متعمدا فقال النبي عليه الصلاة والسلام أعتق رقبة قال ليس عندي ما أعتق فقال له عليه الصلاة والسلام صم شهرين متتابعين قال لا أستطيع فقال له عليه الصلاة والسلام أطعم ستين مسكينا فقال لا أجد ما أطعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال خذها وفرقها على المساكين فقال أعلى أهل بيت أحوج منى والله ما بين لابتي المدينة أحد أحوج منى ومن عيالي فقال له النبي عليه الصلاة والسلام كلها وأطعم عيالك تجزيك ولا تجزى أحدا بعدك وفى بعض الروايات ان الاعرابي لما قال ذلك تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال عليه الصلاة والسلام كلها وأطعم عيالك تجزيك ولا تجزى أحدا بعدك فقد أمر عليه الصلاة والسلام بالاعتاق ثم بالصوم ثم بالاطعام ومطلق الامر محمول على الوجوب والله عز شأنه أعلم.
(فصل) وأما بيان كيفية وجوب هذه الأنواع فلوجوبها كيفيتان إحداهما ان بعضها واجب على التعيين مطلقا وبعضها على التخيير مطلقا وبعضها على التخيير في حال والتعيين في حال (أما) الأول فكفارة القتل والظهار والافطار لان الواجب في كفارة القتل التحرير على التعيين لقوله عز شأنه ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة إلى قوله جل شأنه فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين والواجب في كفارة الظهار والافطار ما هو الواجب في كفارة القتل وزيادة الاطعام إذا لم يستطع الصيام لقوله عز شأنه فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا وكذا الواجب في كفارة الافطار لما روينا من الحديث (وأما) الثاني فكفارة الحلق لقوله عز شأنه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك وأما الثالث فهو كفارة اليمين لان الواجب فيها أحد الأشياء الثلاثة باختياره فعلا غير عين وخيار التعيين إلى الحالف يعين أحد الأشياء الثلاثة باختياره فعلا وهذا مذهب أهل السنة والجماعة في الامر بأحد الأشياء أنه يكون أمرا بواحد منها غير عين وللمأمور خيار التعيين وقالت المعتزلة يكون أمر بالكل على سبيل البدل وهذا الاختلاف بناء على أصل مختلف بيننا وبينهم معروف يذكر في أصول الفقه والصحيح قولنا لان كلمة أو إذا دخلت بين أفعال يراد بها واحد منها لا الكل في الاخبار والايجاب جميعا يقال جاءني زيد أو عمرو ويراد به مجئ أحدهما ويقول الرجل لآخر بع هذا أو هذا ويكون توكيلا ببيع أحدهما فالقول بوجوب الكل يكون عدولا عن مقتضى اللغة ولدلائل آخر عرفت في أصول الفقه فإن لم يجد شيئا من ذلك فعليه صيام ثلاثة أيام على التعيين لقوله عز شأنه فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم والثانية أن الكفارات كلها واجبة على التراخي هو الصحيح من مذهب أصحابنا في الامر المطلق عن الوقت حتى لا يأثم بالتأخير عن أول أوقات الامكان ويكون مؤديا لا قضايا ومعنى الوجوب على التراخي هو أن يجب في جزء من عمره غير عين وإنما يتعين بتعيينه فعلا أو في آخر عمره بأن أخره إلى وقت يغلب على ظنه انه لو لم يؤد فيه لفات فإذا أدى فقد أدى الواجب وان لم يؤد حتى مات أثم لتضييق الوجوب عليه في آخر العمر وهل يؤخذ من تركته ينظر إن كان لم يوص لا يؤخذ ويسقط في حق أحكام الدنيا عندنا كالزكاة والنذر ولو تبرع عنه ورثته جاز عنه في الاطعام والكسوة وأطعموا في كفارة اليمين عشرة مساكين أو كسوتهم وفى كفارة الظهار والافطار أطعموا ستين مسكينا ولا يجبرون عليه ولا يجوز أن يعتقوا عنه لان التبرع بالاعتاق عن الغير لا يصح ولا أن يصوموا عنه لأنه عبادة بدنية محضة فلا تجرى فيه النيابة وقد روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد وإن كان أوصى بذلك يؤخذ من ثلث ماله فيطعم الوصي في كفارة اليمين عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة لأنه لما أوصى فقد بقي ملكه في ثلث ماله وفى كفارة القتل والظهار والافطار تحرير رقبة ان بلغ ثلث ماله قيمة الرقبة وان لم يبلغ أطعم ستين مسكينا في كفارة الظهار والافطار ولا يجب الصوم فيها وان أوصى لأن الصوم نفسه لا يحتمل النيابة