يتغير لحمها وينتن فيكره أكله كالطعام المنتن وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلالة أن تشرب ألبانها لان لحمها إذا تغير يتغير لبنها وما روى أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن أن يحج عليها وان يعتمر عليها وان يغزى وأن ينتفع بها فيما سوى ذلك فذلك محمول على أنها انتنت في نفسها فيمتنع من استعمالها حتى لا يتأذى الناس بنتنها كذا ذكره القدوري رحمه الله في شرحه مختصر الكرخي وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه لا يحل الانتفاع بها من العمل وغيره الا ان تحبس أياما وتعلف فحينئذ تحل وما ذكر القدوري رحمه الله أجود لان النهى ليس لمعنى يرجع إلى ذاتها بل لعارض جاورها فكان الانتفاع بها حلالا في ذاته الا انه يمنع عنه لغيره ثم ليس لحبسها تقدير في ظاهر الرواية هكذا روى عن محمد رحمه الله أنه قال كان أبو حنيفة رضي الله عنه لا يوقت في حبسها وقال تحبس حتى تطيب وهو قولهما أيضا وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة عليه الرحمة انها تحبس ثلاثة أيام وروى ابن رستم رحمه الله عن محمد في الناقة الجلالة والشاة والبقر الجلال انها إنما تكون جلالة إذا تفتتت وتغيرت ووجد منها ريح منتنة فهي الجلالة حينئذ لا يشرب لبنها ولا يؤكل لحمها وبيعها وهبتها جائز هذا إذا كانت لا تخلط ولا تأكل الا العذرة غالبا فان خلطت فليست جلالة فلا تكره لأنها لا تنتن ولا يكره أكل الدجاج المحلى وإن كان يتناول النجاسة لأنه لا يغلب عليه أكل النجاسة بل يخلطها بغيرها وهو الحب فيأكل ذا وذا وقيل إنما لا يكره لأنه لا ينتن كما ينتن الإبل والحكم متعلق بالنتن ولهذا قال أصحابنا في جدي ارتضع بلبن خنزير حتى كبر انه لا يكره أكله لان لحمه لا يتغير ولا ينتن فهذا يدل على أن الكراهة في الجلالة لمكان التغير والنتن لا لتناول النجاسة ولهذا إذا خلطت لا يكره وان وجد تناول النجاسة لأنها لا تنتن فدل ان العبرة للنتن لا لتناول النجاسة والأفضل ان تحبس الدجاج حتى يذهب ما في بطنها من النجاسة لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحبس الدجاج ثلاثة أيام ثم يأكله وذلك على طريق التنزه وهو رواية أبى يوسف عن أبي حنيفة عليهما الرحمة انها تحبس ثلاثة أيام كأنه ذهب إلى ذلك للخبر ولما ذكرنا ان ما في جوفها من النجاسة يزول في هذه المدة ظاهرا وغالبا ويكره الغراب الأسود الكبير لما روى عن عروة عن أبيه أنه سئل عن أكل الغراب فقال من يأكل بعد ما سماه الله تبارك وتعالى فاسقا عنى بذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الفواسق يقتلهن المحرم في الحل والحرم ولان غالب أكلها الجيف فيكره أكلها كالجلالة ولا بأس بغراب الزرع لأنه يأكل الحب والزرع ولا يأكل الجيف هكذا روى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال سألت أبا حنيفة عليه الرحمة عن أكل الغراب فرخص في غراب الزرع وكره الغداف فسألته عن الأبقع فكره ذلك وإن كان غرابا يخلط فيأكل الجيف ويأكل الحب لا يكره في قول أبي حنيفة عليه الرحمة قال وإنما يكره من الطير ما لا يأكل الا الجيف ولا بأس بالعقعق لأنه ليس بذى مخلب ولا من الطير الذي لا يأكل الا الحب كذا روى أبو يوسف أنه قال سألت أبا حنيفة رحمه الله في أكل العقعق فقال لا بأس به فقلت انه يأكل الجيف فقال إنه يخلط فحصل من قول أبي حنيفة ان ما يخلط من الطيور لا يكره أكله كالدجاج وقال أبو يوسف رحمه الله يكره لان غالب أكله الجيف (فصل) وأما بيان شرط حل الاكل في الحيوان المأكول فشرط حل الاكل في الحيوان المأكول البري هو الذكاة فلا يحل أكله بدونها لقوله تبارك وتعالى حرمت عليكم الميتة والدم إلى قوله عز شأنه وما أكل السبع الا ما ذكيتم استثنى سبحانه وتعالى الذكي من المحرم والاستثناء من التحريم إباحة ثم الكلام في الذكاة في الأصل في ثلاثة مواضع في بيان ركن الذكاة وفي بيان شرائط الركن وفي بيان ما يستحب من الذكاة وما يكره منها فالذكاة نوعان اختيارية وضرورية أما الاختيارية فركنها الذبح فيما يذبح من الشاة والبقرة ونحوهما والنحر فيما ينحر وهو الإبل عند القدرة على الذبح والنحر لا يحل بدون الذبح والنحر لان الحرمة في الحيوان المأكول لمكان الدم المسفوح وأنه لا يزول الا بالذبح والنحر ولان الشرع إنما ورد باحلال الطيبات قال الله تبارك وتعالى يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وقال سبحانه وتعالى ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ولا يطيب الا بخروج الدم المسفوح وذلك بالذبح والنحر
(٤٠)