الواجب على المستقرض مثل ما استقرض دينا في ذمته لا عينه فكان محتملا للاستبدال كسائر الديون ولهذا اختص جوازه بما له مثل من المكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة دل ان الواجب على المستقرض تسليم مثل ما استقرض لا تسليم عينه الا أنه أقيم تسليم المثل فيه مقام تسليم العين كأنه انتفع بالعين مدة ثم ردها إليه فأشبه دين الاستهلاك وغيره والله عز وجل أعلم (ومنها) أنه لا يجوز بيع ما ليس عند البائع الا السلم خاصة لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في السلم ويجوز الشراء بثمن ليس عند المشترى لما روى أن النبي عليه الصلاة والسلام اشترى من يهودي طعاما بثمن ليس عنده ورهنه درعه وعلى هذا يخرج ما إذا قال اشتريت منك هذه الحنطة بدرهم أو دينار إلى شهر أو قال اشتريت منك درهما أو دينارا إلى شهر بهذه الحنطة أنه يجوز لما ذكرنا ان الدراهم والدنانير أثمان على كل حال فكان ما يقابلها مبيعا فيكون مشتريا بثمن ليس عنده وأنه جائز ولو قال بعت منك قفيز حنطة بهذا الدرهم أو بهذا الدينار ووصف الحنطة لكنه لم يذكر شرائط السلم أو قال بعت منك هذا الدرهم أو هذا الدينار بقفيز من حنطة ووصفها ولم يذكر شرائط السلم لا يجوز لان الدراهم والدنانير أثمان بأي شئ قوبلت فكان ما في مقابلتها مبيعا فيكون بائعا ما ليس عنده ولا يجوز بيع ما ليس عند الانسان الا السلم خاصة ولم يذكر شرائط السلم فلو ذكر في هذا البيع شرائط السلم جاز عند أصحابنا الثلاثة وان لم يذكر لفظ السلم وعند زفر لا يجوز ما لم يذكر لفظ السلم والصحيح قولنا لما ذكرنا ان السلم نوع بيع الا أنه بيع اختص بشرائط فإذا أتى بها فقد أتى بالسلم وان لم يتلفظ به ولو تصارفا دينارا بدينار أو عشرة دراهم بعشرة دراهم أو دينارا بعشرة بغير أعيانها وليس عندهما شئ من ذلك فاستقرضا في المجلس ثم تقابضا وافترقا جاز لان الدراهم والدنانير أثمان على كل حال فكان كل واحد منهما مشتريا بثمن ليس عنده لا بائعا وانه جائزا لا أنه لابد من التقابض لأنه صرف ولو تبايعا تبرا بتبر بغير أعيانهما وليس عندهما شئ من ذلك ثم استقرضا قبل الافتراق فتقابضا ثم افترقا ففيه روايتان ذكر في الصرف أنه يجوز وجعله بمنزلة الدراهم والدنانير المضروبة وذكر في المضاربة وجعله بمنزلة العروض حيث قال لا تجوز المضاربة فعلى هذه الرواية لا يجوز البيع ويحتمل ان يوفق بين الروايتين بأن تحمل رواية كتاب الصرف على موضع يروج التبر فيه رواج الدراهم والدنانير المضروبة ورواية كتاب المضاربة على موضع لا يروج رواجها وعلى هذا يخرج ما إذا قال بعت منك هذا العبد بكذا كر حنطة ووصفها أنه يجوز لأنه جعل الحنطة الموصوفة ثمنا حيث أدخل فيها حرف الباء فيكون الآخر مبيعا فكان هذا بيع العبد بحنطة موصوفة في الذمة فيجوز ولو قال اشتريت منك كذا كر حنطة ووصفها بهذا العبد لا يجوز الا بطريق السلم لأنه جعل العبد ثمنا بدلالة حرف الباء فكانت الحنطة مبيعة فكان بائعا ما ليس عنده فلا يجوز الا بشرائط السلم من الأجل وبيان مكان الايفاء وقبض رأس المال ونحو ذلك عندنا وعند زفر لا يجوز ما لم يذكر لفظ السلم على ما مر وعلى هذا يخرج ما إذا قال بعت منك هذه الحنطة على أنها قفيز بقفيز حنطة ووصفها أو قال بعت منك هذه الحنطة على أنها قفيز بقفيزي شعير ووصفهما ما ان البيع جائز لأنه جعل العين منهما مبيعا والدين الموصوف في الذمة ثمنا بادخال حرف الباء عليه فيجوز لكن قبض الدين منهما قبل الافتراق بشرط لان من شرط جواز البيع أن يكون الافتراق فيه عن عين بعين وذلك بقبض الدين منهما لان الدين لا يتعين الا بالقبض ولو قبض الدين منهما ثم افترقا عن المجلس قبل قبض العين جاز لأنهما افترقا عن عين بعين ولو قال اشتريت منك قفيز حنطة ووصفها بهذا القفيز من الحنطة أو قال اشتريت منك قفيزي شعير ووصفهما بهذه الحنطة على أنها قفيز لا يجوز وان احضر الموصوف في المجلس لأنه جعل الموصوف منهما مبيعا والآخر ثمنا بقرينة حرف الباء فيكون بائعا ما ليس عنده وبيع ما ليس عند الانسان لا يكون الا بطريق السلم ولا سبيل إلى تجويزه سلما لان اسلام المكيل لا يجوز ولو تبايعا مكيلا موصوفا بمكيل موصوف أو موزونا موصوفا بموزون موصوف مما يتعين بالتعيين بأن قال بعت منك قفيز حنطة ووصفها بقفيز حنطة ووصفها أو بقفيزي شعير ووصفهما أو قال بعت منك من سكر ووصفه بمن سكر ووصفه وليس
(٢٣٥)