أبو حنيفة رضي الله عنه السكران الذي يحد هو الذي لا يعقل قليلا ولا كثيرا ولا يعقل الأرض من السماء والرجل من المرأة وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ومحمد رحمه الله السكران هو الذي يغلب على كلامه الهذيان وروى عن أبي يوسف أن يمتحن بقل يا أيها الكافرون فيستقرأ فإن لم يقدر على قراءتها فهو سكران لما روى أن رجلا صنع طعاما فدعى سيدنا أبا بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا عليا وسيدنا سعد بن أبي وقاص رضى الله تعالى عنهم فأكلوا وسقاهم خمرا وكان قبل تحريم الخمر فحضرتهم صلاة المغرب فأمهم واحد منهم فقرأ قل يا أيها الكافرون على طرح لا أعبد ما تعبدون فنزل قوله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون وهذا الامتحان غير سديد لان من السكارى من لم يتعلم هذه السورة من القرآن أصلا ومن تعلم فقد يتعذر عليه قراءتها في حالة الصحو خصوصا من لا اعتناء له بأمر القرآن فكيف في حالة السكر وقال الشافعي رحمه الله إذا شرب حتى ظهر أثره في مشيه وأطرافه وحركاته فهو سكران وهذا أيضا غير سديد لان هذا أمر لا ثبات له لأنه يختلف باختلاف أحوال الناس منهم من يظهر ذلك منه بأدنى شئ ومنهم من لا يظهر فيه وان بلغ به السكر غايته (وجه) قولهما شهادة العرف والعادة فان السكران في متعارف الناس اسم لمن هذى واليه أشار سيدنا علي رضي الله عنه بقوله إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وحد المفترى ثمانون وأبو حنيفة عليه الرحمة يسلم ذلك في الجملة فيقول أصل السكر يعرف بذلك لكنه اعتبر في باب الحدود ما هو الغاية في الباب احتيالا للدرء المأمور به بقوله صلى الله عليه وسلم ادرؤا الحدود ما استطعتم ولا يعرف بلوغ السكر غايته الا بما ذكر والله عز وجل أعلم.
(كتاب الاستحسان) وقد يسمى كتاب الحظر والإباحة وقد يسمى كتاب الكراهة والكلام في هذا الكتاب في الأصل في موضعين في بيان معنى اسم الكتاب وفي بيان أنواع المحظورات والمباحات المجموعة فيه (أما) الأول فالاستحسان يذكر ويراد به كون الشئ على صفة الحسن ويذكر ويراد به فعل المستحسن وهو رؤية الشئ حسنا يقال استحسنت كذا أي رأيته حسنا فأحتمل تخصيص هذا الكتاب بالتسمية بالاستحسان لاختصاص عامة ما أورد فيه من الأحكام بحسن ليس في غيرها ولكونها على وجه يستحسنها العقل والشرع (وأما) التسمية بالحظر والإباحة فتسمية طابقت معناها ووافقت مقتضاها لاختصاصه ببيان جملة من المحظورات والمباحات وكذا التسمية بالكراهة لان الغالب فيه بيان المحرمات وكل محرم مكروه في الشرع لان الكراهة ضد المحبة والرضا قال الله تبارك وتعالى وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والشرع لا يحب الحرام ولا يرضى به الا أن ما تثبت حرمته بدليل مقطوع به من نص الكتاب العزيز أو غير ذلك فعادة محمد أنه يسميه حراما على الاطلاق وما تثبت حرمته بدليل غير مقطوع به من أخبار الآحاد وأقاويل الصحابة الكرام رضي الله عنهم وغير ذلك يسميه مكروها وربما يجمع بينهما فيقول حرام مكروه اشعارا منه ان حرمته ثبتت بدليل ظاهر لا بدليل قاطع (وأما) بيان أنواع المحرمات والمحللات المجموعة فيه فنقول وبالله تعالى التوفيق المحرمات المجموعة في هذا الكتاب في الأصل نوعان نوع ثبتت حرمته في حق الرجال والنساء جميعا ونوع ثبتت حرمته في حق الرجال دون النساء (أما) الذي ثبتت حرمته في حق الرجال والنساء جميعا فبعضها مذكور في مواضعه في الكتب فلا نعيده ونذكر ما لا ذكر له في الكتب ونبدأ بما بدأ به محمد رحمه الله الكتاب وهو حرمة النظر والمس والكلام فيها في ثلاث مواضع أحدها في بيان ما يحل من ذلك ويحرم للرجل من المرأة والمرأة من الرجل والثاني في بيان ما يحل ويحرم للرجل من الرجل والثالث في بيان ما يحل ويحرم للمرأة من المرأة (أما) الأول فلا يمكن الوصول إلى معرفته الا بعد معرفة أنواع النساء فنقول وبالله تعالى التوفيق النساء في هذا الباب سبعة أنواع نوع منهن المنكوحات ونوع منهن المملوكات ونوع منهن ذوات الرحم المحرم