عتقا في ذمته وذلك مما يجب بالنذر وإذا أوجب آخر مثله وجب عليه بخلاف الفصل الأول لان ثمة ما أوجب العتق بل علق فلا يكون على الثاني ايجاب لأنه ليس بمثل ولو قال كل مالي هدى وقال آخر وعلى مثل ذلك فعليه أن يهدى جميع ماله سواء كان أقل من مال الأول أو أكثر الا أن يعنى مثل قدره فيلزمه مثل ذلك إن كان مال الثاني أكثر وإن كان مال الثاني أقل يلزمه في ذمته تمام مال الأول لان مطلق الايجاب يضاف إلى هدى جميع ماله كما أوجب الأول فإذا أراد القدر فقد نوى ما يحتمله الكلام فيحمل عليه فان قال رجل كل مال أملك إلى سنة فهو هدى فقال آخر على مثل ذلك لم يلزمه شئ لان الثاني لم يضف الهدى إلى الملك فلا تثبت الإضافة بالاضمار والله عز شأنه أعلم (ومنها) أن يكون المنذور به إذا كان مالا مملوك الناذر وقت النذر أو كان النذر مضافا إلى الملك أو إلى سبب الملك حتى لو نذر بهدى ما لا يملكه أو بصدقة ما لا يملكه للحال لا يصح لقوله عليه الصلاة والسلام لا نذر فيما لا يملكه ابن آدم الا إذا أضاف إلى الملك أو إلى سبب الملك بأن قال كل مال أملكه فيما استقبل فهو هدى أو قال فهو صدقة أو قال كلما اشتريته أو أرثه فيصح عند أصحابنا خلافا للشافعي رحمه الله والصحيح قولنا لقوله عز وجل ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين إلى قوله تعالى فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون دلت الآية الشريفة على صحة النذر المضاف لان الناذر بنذره عاهد الله تعالى الوفاء بنذره وقد لزمه الوفاء بما عهد والمؤاخذة على ترك الوفاء به ولا يكون ذلك الا في النذر الصحيح (ومنها) أن لا يكون مفروضا ولا واجبا فلا يصح النذر بشئ من الفرائض سواء كان عينا كالصلوات الخمس وصوم رمضان أو فرض كفاية كالجهاد وصلاة الجنازة ولا بشئ من الواجبات سواء كان عينا كالوتر وصدقة الفطر والعمرة والأضحية أو على سبيل الكفاية كتجهيز الموتى وغسلهم ورد السلام ونحو ذلك لان ايجاب الواجب لا يتصور (وأما) الذي يرجع إلى نفس الركن فخلوه عن الاستثناء فان دخله أبطله.
(فصل) (وأما) حكم النذر فالكلام فيه في مواضع الأول في بيان أصل الحكم والثاني في بيان وقت ثبوته والثالث في بيان كيفية ثبوته أما أصل الحكم فالناذر لا يخلو من أن يكون نذر وسمى أو نذر ولم يسم فان نذر وسمى فحكمه وجوب الوفاء بما سمى بالكتاب العزيز والسنة والاجماع والمعقول (أما) الكتاب الكريم فقوله عز شأنه وليوفوا نذورهم وقوله تعالى وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا وقوله سبحانه وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم والنذر نوع عهد من الناذر مع الله جل وعلا فيلزمه الوفاء بما عهد وقوله جلت عظمته وأوفوا بالعقود أي العهود وقوله عز شأنه ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن إلى قوله تعالى بما أخلفوا الله ما وعدوه ألزم الوفاء بعهده حيث أوعد على ترك الوفاء (وأما) السنة فقول النبي عليه الصلاة والسلام من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه وقوله عليه الصلاة والسلام من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى وعلى كلمة ايجاب وقوله عليه الصلاة والسلام المسلمون عند شروطهم والناذر شرط الوفاء بما نذر فيلزمه مراعاة شرطه وعليه اجماع الأمة (وأما) المعقول فهو أن المسلم يحتاج إلى أن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بنوع من القرب المقصودة التي له رخصة تركها لما يتعلق به من المعاقبة الحميدة وهي نيل الدرجات العلى والسعادة العظمى في دار الكرامة وطبعه لا يطاوعه على تحصيله بل يمنعه عنه لما فيه من المضرة الحاضرة وهي المشقة ولا ضرورة في الترك فيحتاج إلى اكتساب سبب يخرجه عن رخصة الترك ويلحقه بالفرائض الموظفة وذلك يحصل بالنذر لان الوجوب يحمله على التحصيل خوفا من مضرة الترك فيحصل مقصوده فثبت ان حكم النذر الذي فيه تسمية هو وجوب الوفاء بما سمى وسواء كان النذر مطلقا أو مقيدا معلقا بشرط بأن قال أن فعلت كذا فعلى لله حج أو عمرة أو صوم أو صلاة أوما أشبه ذلك من الطاعات حتى لو فعل ذلك يلزمه الذي جعله على نفسه ولم يجز عنه كفارة وهذا قول أصحابنا رضي الله عنهم وقال الشافعي رحمه الله أن علقه بشرط يريد كونه لا يخرج عنه بالكفارة كما إذا قال إن شفى الله مريضي أو إن قدم غائبي فعلى كذا وان علقه بشرط لا يريد كونه بأن قال إن كلمت فلانا أو قال إن دخلت الدار فلله على