يا قنبر خذ لي من كل واحد منهما بضعة وتصدق بهما بجلودهما وبرؤوسهما وبأكارعهما والأفضل أن يتصدق بالثلث ويتخذ الثلث ضيافة لأقاربه وأصدقائه ويدخر الثلث لقوله تعالى فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر وقوله عز شأنه فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير وقول النبي عليه الصلاة والسلام كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فكلوا منها وادخروا فثبت بمجموع الكتاب العزيز والسنة ان المستحب ما قلنا ولأنه يوم ضيافة الله عز وجل بلحوم القرابين فيندب اشراك الكل فيها ويطعم الفقير والغنى جميعا لكون الكل أضياف الله تعالى عز شأنه في هذه الأيام وله أن يهبه منهما جميعا ولو تصدق بالكل جاز ولو حبس الكل لنفسه جاز لان القربة في الإراقة (وأما) التصدق باللحم فتطوع وله أن يدخر الكل لنفسه فوق ثلاثة أيام لان النهى عن ذلك كان في ابتداء الاسلام ثم نسخ بما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال إني كنت نهيتكم عن امساك لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام الا فامسكوا ما بدا لكم وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال إنما نهيتكم لأجل الرأفة دون حضرة الأضحى الا أن اطعامها والتصدق أفضل الا أن يكون الرجل ذا عيال وغير موسع الحال فان الأفضل له حينئذ أن يدعه لعياله ويوسع به عليهم لان حاجته وحاجة عياله مقدمة على حاجة غيره قال النبي عليه الصلاة والسلام ابدأ بنفسك ثم بغيرك ولا يحل بيع جلدها وشحمها ولحمها وأطرافها ورأسها وصوفها وشعرها ووبرها ولبنها الذي يحلبه منها بعد ذبحها بشئ لا يمكن الانتفاع به الا باستهلاك عينه من الدراهم والدنانير والمأكولات والمشروبات ولا أن يعطى أجر الجزار والذابح منها لما روى عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال من باع جلد أضحية فلا أضحية له وروى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لعلي رضي الله عنه تصدق بجلالها وخطامها ولا تعطى أجر الجزار منها وروى عن سيدنا علي كرم الله وجهه أنه قال إذا ضحيتم فلا تبيعوا لحوم ضحاياكم ولا جلودها وكلوا منها وتمتعوا ولأنها من ضيافة الله عز شأنه التي أضاف بها عباده وليس للضيف أن يبيع من طعام الضيافة شيئا فان باع شيئا من ذلك نفذ عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا ينفذ لما ذكرنا فيما قبل الذبح ويتصدق بثمنه لان القربة ذهبت عنه فيتصدق به ولأنه استفاده بسبب محظور وهو البيع فلا يخلو عن خبث فكان سبيله التصدق وله أن ينتفع بجلد أضحيته في بيته بأن يجعله سقاء أو فروا أو غير ذلك لما روى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها أنها اتخذت من جلد أضحيتها سقاء ولأنه يجوز الانتفاع بلحمها فكذا بجلدها وله أن يبيع هذه الأشياء بما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه من متاع البيت كالجراب والمنخل لان البدل الذي يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يقوم مقام المبدل فكان المبدل قائما معنى فكان الانتفاع به كالانتفاع بعين الجلد بخلاف البيع بالدراهم والدنانير لان ذلك مما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه فلا يقوم مقام الجلد فلا يكون الجلد قائما معنى والله تعالى عز شأنه أعلم.
(كتاب النذر) الكلام في هذا الكتاب في الأصل في ثلاثة مواضع في بيان ركن النذر وفي بيان شرائط الركن وفي بيان حكم النذر أما الأول فركن النذر هو الصيغة الدالة عليه وهو قوله لله عز شأنه على كذا أو على كذا أو هذا هدى أو صدقة أو مالي صدقة أو ما أملك صدقة ونحو ذلك.
(فصل) وأما شرائط الركن فأنواع بعضها يتعلق بالناذر وبعضها يتعلق بالمنذور به وبعضها يتعلق بنفس الركن أما الذي يتعلق بالناذر فشرائط الأهلية (منها) العقل (ومنها) البلوغ فلا يصح نذر المجنون والصبي الذي لا يعقل لان حكم النذر وجوب المنذور به وهما ليسا من أهل الوجوب وكذا الصبي العاقل لأنه ليس من أهل وجوب الشرائع ألا ترى انه لا يجب عليهما شئ من الشرائع بايجاب الشرع ابتداء فكذا بالنذر إذ الوجوب عند