وروى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها انها قالت كان يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولى الإربة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو ينعت امرأة فقال لا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخل عليكن فحجبوه وكذا روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة رضي الله عنها وعندها مخنث فاقبل على أخي أم سلمة فقال يا عبد الله ان فتح الله عليكم غدا الطائف دللتك علي بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال عليه الصلاة والسلام لا أرى يعرف هذا ما ههنا لا يدخلن عليكم هذا إذا بلغ الأجنبي مبلغ الرجال فإن كان صغيرا لم يظهر على عورات النساء ولا يعرف العورة من غير العورة فلا بأس لهن من ابداء الزينة لهم لقوله جل وعلا أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء مستثنى من قوله عز شأنه ولا يبدين زينتهن الا لمن ذكر والطفل في اللغة الصبي ما بين أن يولد إلى يحتلم وأما الذي يعرف التمييز بين العورة وغيرها وقرب من الحلم فلا ينبغي لها أن تبدي زينتها له ألا ترى ان مثل هذا الصبي أمر بالاستئذان في بعض الأوقات بقوله تبارك وتعالى والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات الا إذا لم يكونا من أهل الشهوة بأن كانا شيخين كبيرين لعدم احتمال حدوث الشهوة فيهما وروى أن أعميين دخلا على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده بعض أزواجه سيدتنا عائشة وأخرى فقال لهما قوما فقالتا انهما أعميان يا رسول الله فقال اعميا وان أنتما هذا حكم النظر إلى الوجه والكفين وأما حكم مس هذين العضوين فلا يحل مسهما لان حل النظر للضرورة التي ذكرناها ولا ضرورة إلى المس مع ما ان المس في بعث الشهوة وتحريكها فوق النظر وإباحة أدنى الفعلين لا يدل على أعلاهما هذا إذا كان شابين فإن كانا شيخين كبيرين فلا بأس بالمصافحة لخروج المصافحة منهما من أن تكون مورثة للشهوة لانعدام الشهوة وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصافح العجائز ثم إنما يحرم النظر من الأجنبية إلى سائر أعضائها سوى الوجه والكفين أو القدمين أيضا على اختلاف الروايتين إذا كانت مكشوفة فاما إذا كانت مستورة بالثوب فإن كان ثوبها صفيقا لا يلتزق ببدنها فلا بأس أن يتأملها ويتأمل جسدها لان المنظور إليه الثوب دون البدن وإن كان ثوبها رقيقا يصف ما تحته ويشف أو كان صفيقا لكنه يلتزق ببدنها حتى يستبين له جسدها فلا يحل له النظر لأنه إذا استبان جسدها كانت كاسية صورة عارية حقيقة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله الكاسيات العاريات وروى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها انها قالت دخلت على أختي السيدة أسماء وعليها ثياب شامية رقاق وهي اليوم عندكم صفاق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه ثياب تمجها سورة النور فامر بها فأخرجت فقلت يا رسول الله زارتني أختي فقلت لها ما قلت فقال يا عائشة ان المرأة إذا حاضت لا ينبغي أن يرى منها الا وجهها وكفاها فان ثبت هذا من النبي عليه الصلاة والسلام كان تفسيرا لقوله عز وجل الا ما ظهر منها فدل على صحة الرواية ان الحرة لا يحل النظر منها الا إلى وجهها وكفيها والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) النوع السابع وهو ذوات الرحم بلا محرم فحكمهن حكم الأجنبيات الحرائر لعموم الامر بغض البصر والنهى عن ابداء زينتهن الا للمذكورين في محل الاستثناء وذو الرحم بلا محرم غير مذكور في المستثنى فبقيت منهية عن ابداء الزينة له والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) الثاني وهو ما يحل من ذلك ويحرم للرجل من الرجل فنقول وبالله التوفيق يحل للرجل أن ينظر من الرجل الأجنبي إلى سائر جسده الا ما بين السرة والركبة الا عند الضرورة فلا بأس أن ينظر الرجل من الرجل إلى موضع الختان ليختنه ويداويه بعد الختن وكذا إذا كان بموضع العورة من الرجل قرح أو جرح أو وقعت الحاجة إلى مداواة الرجل ولا ينظر إلى الركبة ولا بأس بالنظر إلى السرة فالركبة عورة والسرة ليست بعورة عندنا وعند الشافعي على العكس من ذلك والصحيح قولنا لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ما تحت السرة عورة والركبة ما تحتها فكانت عورة الا ان ما تحت الركبة صار مخصوصا فبقيت الركبة تحت العموم ولان الركبة عضو مركب من عظم الساق والفخذ على وجه يتعذر تمييزه والفخذ من العورة والساق ليس من العورة فعند الاشتباه يجب العمل بالاحتياط وذلك فيما قلنا بخلاف السرة لأنه اسم لموضع
(١٢٣)