ذلك عادة الا بكشف الوجه والكفين فيحل لها الكشف وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله انه يحل النظر إلى القدمين أيضا (وجه) هذه الرواية ما روى عن سيدتنا عائشة رضى الله تعالى عنها في قوله تبارك وتعالى الا ما ظهر منها القلب والفتخة وهي خاتم أصبع الرجل فدل على جواز النظر إلى القدمين ولان الله تعالى نهى عن ابداء الزينة واستثنى ما ظهر منها والقدمان ظاهرتان ألا ترى انهما يظهران عند المشي فكانا من جملة المستثنى من الحظر فيباح ابداؤهما (وجه) ظاهر الرواية ما روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله جل شأنه الا ما ظهر منها انه الكحل والخاتم وروى عنه في رواية أخرى أنه قال الكف والوجه فيبقى ما وراء المستثنى على ظاهر النهى ولان إباحة النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها للحاجة إلى كشفها في الاخذ والعطاء ولا حاجة إلى كشف القدمين فلا يباح النظر إليهما ثم إنما يحل النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منها من غيرة شهوة فاما عن شهوة فلا يحل لقوله عليه الصلاة والسلام العينان تزنيان وليس زنا العينين الا النظر عن شهوة ولان النظر عن شهوة سبب الوقوع في الحرام فيكون حراما الا في حالة الضرورة بان دعى إلى شهادة أو كان حاكما فأراد أن ينظر إليها ليجيز اقرارها عليها فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وإن كان لو نظر إليها لاشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك لان الحرمات قد يسقط اعتبارها لمكان الضرورة ألا ترى انه خص النظر إلى عين الفرج لمن قصد إقامة حسبة الشهادة على الزنا ومعلوم ان النظر إلى الفرج في الحرمة فوق النظر إلى الوجه ومع ذلك سقطت حرمته لمكان الضرورة فهذا أولى وكذا إذا أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وإن كان عن شهوة لان النكاح بعد تقديم النظر أدل على الألفة والموافقة الداعية إلى تحصيل المقاصد على ما قال النبي عليه الصلاة والسلام للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين أراد أن يتزوج امرأة اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أو يدوم بينكما دعاه عليه الصلاة والسلام إلى النظر مطلقا وعلل عليه الصلاة والسلام بكونه وسيلة إلى الألفة والموافقة (وأما) المرأة فلا يحل لها النظر من الرجل الأجنبي ما بين السرة إلى الركبة ولا بأس أن تنظر إلى ما سوى ذلك إذا كانت تأمن على نفسها والأفضل للشاب غض البصر عن وجه الأجنبية وكذا الشابة لما فيه من خوف حدوث الشهوة والوقوع في الفتنة يؤيده المروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم ا أنه قال في قوله تبارك وتعالى الا ما ظهر منها انه الرداء والثياب فكان غض البصر وترك النظر أزكى وأطهر وذلك قوله عز وجل قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم وروى أن أعميين دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده بعض أزواجه سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأخرى فقال لهما قوما فقالتا انهما أعميان يا رسول الله فقال لهما اعميا وان أنتما الا إذا لم يكونا من أهل الشهوة بأن كان شيخين كبيرين لعدم احتمال حدوث الشهوة فيهما والعبد فيما ينظر إلى مولاته كالحر الذي لا قرابة بينه وبينها سواء وكذا الفحل والخصي والعنين والمخنث إذا بلغ مبلغ الرجال سواء لعموم قوله تبارك وتعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم واطلاق قوله عز شأنه ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها ولان الرق والخصاء لا يعدمان الشهوة وكذا العنة والخنوثة (أما) الرق فظاهر (وأما) الخصاء فان الخصي رجل الا أنه مثل به إلى هذا أشارت سيدتنا عائشة رضي الله عنها فقالت إنه رجل مثل به أفتحل له المثلة ما حرم الله تبارك وتعالى على غيره (وأما) العنة والخنوثة فالعنين والمخنث رجلان فان قيل أليس ان المملوك بملك اليمين للمرأة مستثنى من قوله جل وعلا ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن إلى قوله عز شأنه الا ما ملكت أيمانهن من غير فصل بين العبد والأمة والاستثناء من الحظر إباحة فالجواب ان قوله سبحانه وتعالى الا ما ملكت أيمانهن ينصرف إلى الإماء لان حكم العبيد صار معلوما بقوله سبحانه وتعالى أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال إذ العبد من جملة التابعين من الرجال فكان قوله عز شأنه الا ما ملكت ايمانهن مصروفا إلى الإماء لئلا يؤدى إلى التكرار فان قيل حكم الإماء صار معلوما بقوله تبارك وتعالى أو التابيعن فالصرف إليهن يؤدى إلى التكرار أيضا فالجواب ان المراد بالنساء الحرائر فوقعت الحاجة إلى تعريف حكم الإماء فأبان بقوله جل شأنه أو ما ملكت أيمانهن ان حكم الحرة والأمة فيه سواء
(١٢٢)