بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٥ - الصفحة ١١٤
صاحبها بعلاج من خل أو ملح أو غيرهما فالتخليل جائز والخل حلال عندنا وعند الشافعي لا يجوز التخليل ولا يحل الخل وان خللها بالنقل من موضع إلى موضع فلا شك أنه يحل عندنا وللشافعي رحمه الله قولان واحتج بما روى أن بعد نزول تحريم الخمر كانت عند أبي طلحة الأنصاري رحمه الله خمور لأيتام فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ما نصنع بها يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام ارقها فقال أبو طلحة أفلا أخللها قال عليه الصلاة والسلام لا نص عليه الصلاة والسلام على النهى عن التخليل وحقيقة النهى للتحريم ولان في الاشتغال بالتخليل احتمال الوقوع في الفساد ويتجنس الظاهر منه ضرورة وهذا لا يجوز بخلاف ما إذا تخللت بنفسها (ولنا) ما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال أيما اهاب دبغ فقد طهر كالخمر إذا تخلل فيحل فحقق عليه الصلاة والسلام التخليل وأثبت حل الخل شرعا ولان التخليل سبب لحصول الحل فيكون مباحا استدلالا بما إذا أمسكها حتى تخللت والدليل على أنه سبب لحصول الحل ان بهذا الصنع صار المائع حامضا بحيث لا يبين في الذوق أثر المرارة فلا يخلوا ما إن كان ذلك لغلبة الحموضة المرارة مع بقائها في ذاتها واما إن كان لتغير الخمر من المرارة إلى الحموضة لا سبيل إلى الأول لأنه لا حموضة في الملح لتغلب المرارة وكذا بالقاء حلو قليل يصير حامضا في مدة قليلة لا تتخلل بنفسها عادة والقليل لا يغلب الكثير فتعين ان ظهور الحموضة باجراء الله تعالى العادة على أن مجاوزة الخل يغيرها من المرارة إلى الحموضة في مثل هذا الزمان فثبت ان التخليل سبب لحصول الحل فيكون مباحا لأنه حينئذ يكون اكتساب مال متقوم عندنا وعنده يكون اكتساب المال وكل ذلك مشروع (وأما) الحديث فقد روى أن أبا طلحة رحمه الله لما قال أفلا أخللها قال عليه الصلاة والسلام نعم فتعارضت الروايتان فسقط الاحتجاج على أنه يحمل على النهى عن التخليل لمعنى في غيره وهو دفع عادة العامة لان القوم كانوا حديثي العهد بتحريم الخمر فكانت بيوتهم لا تخلو عن خمر وفى البيت غلمان وجواري وصبيان وكانوا ألفوا شرب الخمر وصار عادة لهم وطبيعة والنزوع عن العادة أمر صعب فقيم البيت إن كان ينزجر عن ذلك ديانة فقل ما يسلم الاتباع عنها لو أمر بالتخليل إذ لا يتخلل من ساعتها بل بعد وقت معتبر فيؤدى إلى فساد العامة وهذا لا يجوز وقد انعدم ذلك المعنى في زماننا ليقرر التحريم ويألف الطبع تحريمها حملناه على هذا دفعا للتناقض عن الدليل وبه تبين ان ليس فيما قلناه احتمال الوقوع في الفساد وقوله تنجيس الظاهر من غير ضرورة نعم لكن لحاجة وانه لجائز كدبغ جلد الميتة والله سبحانه وتعالى أعلم ثم لا فرق في ظاهر الرواية بين ما إذا القى فيها شيئا قليلا من الملح أو السمك أو الخل أو كثيرا حتى تحل في الحالين جميعا وروى عن أبي يوسف أنه إن كان الخل كثيرا لا يحل (وجه) رواية أبى يوسف رحمه الله ان الملقى من الخل إذا كان قليلا فهذا تخليل لظهور الحموضة فيها بطريق التغيير فاما إذا كان كثير فهذا ليس بتخليل بل هو تغليب لغلبة الحموضة المرارة فصار كما لو القى فيها كثيرا من الحلاوات حتى صار حلو أنه لا يحل بل يتنجس الكل فكذا هذا (وجه) ظاهر الرواية ان كل ذلك تخليل أما إذا لكان قليلا فظاهر وكذلك إذا كان كثيرا لما ذكرنا ان ظهور الحموضة عند القاء الملح والسمك لا يكون بطريق التغليب لانعدام الحموضة فيهما فتعين أن يكون بطريق التغيير وفى الكثير يكون أسرع والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) السكر والفضيخ ونقيع الزبيب فيحرم شرب قليلها وكثيرها لما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال الخمر من هاتين الشجرتين وأشار عليه الصلاة والسلام إلى النخلة والكرمة والتي ههنا هو المستحق لاسم الخمر فكان حراما وسئل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن التداوي بالسكر فقال إن الله تبارك وتعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال السكر هي الخمر ليس لها كنية وروى أنه لما سئل عن نقيع الزبيب قال الخمر أحيتها أشار إلى علة الحرمة وهي أن ايقاع الزبيب في الماء احياء للخمر لان الزبيب إذا نقع في الماء يعود عنبا فكان نقيعه كعصير العنب ولان هذا لا يتخذ الا للسكر فيحرم شرب قليلها وكثيرها فان قيل أليس أن الله تبارك وتعالى قال ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا وهذا خرج مخرج تذكير النعمة والتنبيه على
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الاستصناع فصل أما صورة الاستصناع 2
2 فصل وأما جوازه 2
3 فصل وأما شرائط جوازه 3
4 فصل وأما حكم الاستصناع 3
5 فصل وأما صفة الاستصناع 3
6 كتاب الشفعة 4
7 فصل وأما شرائط وجوب الشفعة 10
8 فصل وأما بيان ما يتأكد به حق الشفعة 17
9 فصل وأما بيان ما يبطل به حق الشفعة 19
10 فصل وأما بيان طريق التملك بالشفعة 23
11 فصل وأما بيان شرط التملك 25
12 فصل وأما بيان ما يتملك بالشفعة 27
13 فصل وأما بيان من يتملك منه الشقص 30
14 فصل وأما بيان حكم اختلاف الشفيع 30
15 فصل وأما بيان الحيلة في اسقاط الشفعة 34
16 فصل وأما الكلام في كراهة الحيلة للاسقاط 35
17 كتاب الذبائح والصيود 35
18 فصل وأما بيان ما يكره من الحيوانات 39
19 فصل وأما بيان شرط حل الاكل في الحيوان 40
20 فصل وأما بيان ما يكره أكله من أجزاء الحيوان المأكول 61
21 كتاب الاصطياد كتاب التضحية 61
22 فصل وأما شرائط الوجوب 63
23 فصل واما وقت الوجوب 65
24 فصل وأما كيفية الوجوب 65
25 فصل وأما محل إقامة الواجب 69
26 فصل وأما شرائط جواز إقامة الواجب 71
27 فصل وأما بيان ما يستحب قبل التضحية وعندها وبعدها وما يكره 78
28 كتاب النذر فصل وأما شرائط الركن 81
29 فصل وأما حكم النذر 90
30 كتاب الكفارات 95
31 فصل وأما بيان كيفية وجوب هذه الأنواع 96
32 فصل وأما شرائط وجوب كل نوع 97
33 فصل وأما شرط جواز كل نوع 99
34 كتاب الأشربة 112
35 كتاب الاستحسان 118
36 كتاب البيوع 133
37 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس العقد 136
38 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس المعقود عليه 138
39 فصل وأما شرائطها 153
40 فصل وأما ترتيب الولاية 155
41 فصل وأما شرائط الصحة 156
42 فصل وأما شرائط جريان الربا 192
43 فصل وأما شرائط الركن 201
44 فصل وأما الذي يرجع إلى المسلم فيه 207
45 فصل وأما الذي يرجع إلى البدلين جميعا 214
46 فصل وأما بيان ما يجوز من التصرف في المسلم فيه 214
47 فصل وأما الشرائط الخ 215
48 فصل وأما بيان رأس المال 222
49 فصل وأما بيان ما يلحق برأس المال 223
50 فصل وأما بيان ما يجب بيانه في المرابحة 223
51 فصل وأما حكم الخيانة إذا ظهرت 225
52 فصل وأما الاشراك فحكمه حكم التولية الخ 226
53 فصل وأما المواضعة الخ 228
54 فصل وأما شرائط لزوم البيع 228
55 فصل وأما بيان يكره من البياعات 228
56 فصل وأما ما يحصل به التفريق 231
57 فصل وأما صفة البيع 232
58 فصل وأما حكم البيع 233
59 فصل وأما بيان ما يرفع حكم البيع 306