بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٥ - الصفحة ١١٥
شكرها فيدل على حلها فالجواب قيل إن الآية منسوخة بآية تحريم الخمر فلا يصح الاحتجاج بها والثاني ان لم تكن منسوخة فيحتمل ان ذلك خرج مخرج التغيير أي انكم تجعلون ما أعطاكم الله تعالى من ثمرات النخيل والأعناب التي هي حلال بعضها حراما وهو الشراب والبعض حلالا وهو الدبس والزبيب والخل ونحو ذلك نظيره قوله تعالى قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا وعلى هذا كانت الآية حجة عليكم لان التغيير على الحرام لا على الحلال ولا يكفر مستحلها ولكن يضلل لان حرمتها دون حرمة الخمر لثبوتها بدليل غير مقطوع به من أخبار الآحاد وآثار الصحابة رضي الله عنهم على ما ذكرنا ولا يحد بشرب القليل منها لان الحد إنما يجب بشرب القليل من الخمر ولم يوجد بالسكر لان حرمة السكر من كل شراب كحرمة الخمر لثبوتها بدليل مقطوع به وهو نص الكتاب العزيز قال الله تعالى جل شأنه في الآية الكريمة إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون وهذه المعاني تحصل بالسكر من كل شرب فكانت حرمة السكر من كل شراب ثابتة بنص الكتاب العزيز كحرمة الخمر ولهذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحرمتين في قوله عليه الصلاة والسلام حرمت عليكم الخمر لعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام ما أراد به أصل الحرمة لان ذلك لا يقف على السكر في كل شراب دل ان المراد منه الحرمة الكاملة التي لا شبهة فيها كحرمة الخمر وكذا جمع سيدنا علي رضي الله عنه بينهما في الحد فقال فيما أسكر من النبيذ ثمانون وفى الخمر قليلها وكثيرها ثمانون ويجوز بيعها عند أبي حنيفة مع الكراهة وعند أبي يوسف ومحمد لا يجوز أصلا (وجه) قولهما ان محل البيع هو المال وانه اسم لما يباح الانتفاع به حقيقة وشرعا ولم يوجد فلا يكون مالا فلا يجوز بيعها كبيع الخمر (وجه) قول أبي حنيفة رضي الله عنه ان البيع مبادلة شئ مرغوب فيه بشئ مرغوب فيه قال الله تبارك وتعالى أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين وقد وجد ههنا لان الأشربة مرغوب فيها والمال اسم لشئ مرغوب فيه الا أن الخمر مع كونها مرغوبا فيها لا يجوز بيعها بالنص الذي روينا والنص ورد باسم الخمر فيقتصر على مورد النص وعلى هذا الخلاف إذا أتلفها انسان يضمن عنده وعندهما لا يضمن (ومنها) حكم نجاستها فقد روى عن أبي حنيفة رضي الله عنه انها لو أصابت الثوب أكثر من قدر الدرهم تمنع جواز الصلاة لأنه يحرم شرب قليلها وكثيرها كالخمر فكانت نجاستها غليظة كنجاسة الخمر وروى أنها لا تمنع أصلا لان نجاسة الخمر إنما ثبتت بالشرع بقوله عز شأنه رجس من عمل الشيطان فيختص باسم الخمر وعن أبي يوسف رحمه الله انه اعتبر فيها الكثير الفاحش كما في النجاسة الحقيقية لأنها وإن كانت محرمة الانتفاع لكن حرمتها دون حرمة الخمر حتى لا يكفر مستحلها ولا يحد بشرب القليل منها فأوجب ذلك خفة في نجاستها هذا الذي ذكرنا حكم النئ من عصير العنب ونبيذ التمر ونقيع الزبيب (وأما) حكم المطبوخ منها اما عصير العنب إذا طبخ أدنى طبخة وهو الباذق أو ذهب نصفه وبقى النصف وهو المنصف فيحرم شرب قليله وكثيره عند عامة العلماء رضي الله عنه م وروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله الأول أنه مباح وهو قول حماد بن أبي سليمان ويصح قول العامة لأنه إذا ذهب أقل من الثلثين بالطبخ فالحرام فيه بان وهو ما زاد على الثلث والدليل على أن الزائد على الثلث حرام ما روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه انه كتب إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه انى أتيت بشراب من الشام طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقى ثلثه يبقى حلاله ويذهب حرامه وريح جنونه فمر من قبلك فليتوسعوا من أشربتهم نص على أن الزائد على الثلث حرام وأشار إلى أنه ما لم يذهب ثلثاه فالقوة المسكرة فيه قائمة وكان ذلك بمحضر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ولم ينقل عنهم خلافه فكان اجماعا منهم ولا يحد شاربه ما لم يسكر وإذا سكر حدولا يكفر مستحله لما مر ويجوز معه عند أبي حنيفة وإن كان لا يحل شربه وعندهما لا يحل شربه ولا يجوز بيعه على ما ذكرنا هذا إذا طبخ عصير العنب فإذا طبخ العنب كما هو فقد حكى أبو يوسف عن أبي حنيفة رضي الله عنهما ان حكمه حكم العصير لا يحل حتى يذهب ثلثاه
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الاستصناع فصل أما صورة الاستصناع 2
2 فصل وأما جوازه 2
3 فصل وأما شرائط جوازه 3
4 فصل وأما حكم الاستصناع 3
5 فصل وأما صفة الاستصناع 3
6 كتاب الشفعة 4
7 فصل وأما شرائط وجوب الشفعة 10
8 فصل وأما بيان ما يتأكد به حق الشفعة 17
9 فصل وأما بيان ما يبطل به حق الشفعة 19
10 فصل وأما بيان طريق التملك بالشفعة 23
11 فصل وأما بيان شرط التملك 25
12 فصل وأما بيان ما يتملك بالشفعة 27
13 فصل وأما بيان من يتملك منه الشقص 30
14 فصل وأما بيان حكم اختلاف الشفيع 30
15 فصل وأما بيان الحيلة في اسقاط الشفعة 34
16 فصل وأما الكلام في كراهة الحيلة للاسقاط 35
17 كتاب الذبائح والصيود 35
18 فصل وأما بيان ما يكره من الحيوانات 39
19 فصل وأما بيان شرط حل الاكل في الحيوان 40
20 فصل وأما بيان ما يكره أكله من أجزاء الحيوان المأكول 61
21 كتاب الاصطياد كتاب التضحية 61
22 فصل وأما شرائط الوجوب 63
23 فصل واما وقت الوجوب 65
24 فصل وأما كيفية الوجوب 65
25 فصل وأما محل إقامة الواجب 69
26 فصل وأما شرائط جواز إقامة الواجب 71
27 فصل وأما بيان ما يستحب قبل التضحية وعندها وبعدها وما يكره 78
28 كتاب النذر فصل وأما شرائط الركن 81
29 فصل وأما حكم النذر 90
30 كتاب الكفارات 95
31 فصل وأما بيان كيفية وجوب هذه الأنواع 96
32 فصل وأما شرائط وجوب كل نوع 97
33 فصل وأما شرط جواز كل نوع 99
34 كتاب الأشربة 112
35 كتاب الاستحسان 118
36 كتاب البيوع 133
37 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس العقد 136
38 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس المعقود عليه 138
39 فصل وأما شرائطها 153
40 فصل وأما ترتيب الولاية 155
41 فصل وأما شرائط الصحة 156
42 فصل وأما شرائط جريان الربا 192
43 فصل وأما شرائط الركن 201
44 فصل وأما الذي يرجع إلى المسلم فيه 207
45 فصل وأما الذي يرجع إلى البدلين جميعا 214
46 فصل وأما بيان ما يجوز من التصرف في المسلم فيه 214
47 فصل وأما الشرائط الخ 215
48 فصل وأما بيان رأس المال 222
49 فصل وأما بيان ما يلحق برأس المال 223
50 فصل وأما بيان ما يجب بيانه في المرابحة 223
51 فصل وأما حكم الخيانة إذا ظهرت 225
52 فصل وأما الاشراك فحكمه حكم التولية الخ 226
53 فصل وأما المواضعة الخ 228
54 فصل وأما شرائط لزوم البيع 228
55 فصل وأما بيان يكره من البياعات 228
56 فصل وأما ما يحصل به التفريق 231
57 فصل وأما صفة البيع 232
58 فصل وأما حكم البيع 233
59 فصل وأما بيان ما يرفع حكم البيع 306