شكرها فيدل على حلها فالجواب قيل إن الآية منسوخة بآية تحريم الخمر فلا يصح الاحتجاج بها والثاني ان لم تكن منسوخة فيحتمل ان ذلك خرج مخرج التغيير أي انكم تجعلون ما أعطاكم الله تعالى من ثمرات النخيل والأعناب التي هي حلال بعضها حراما وهو الشراب والبعض حلالا وهو الدبس والزبيب والخل ونحو ذلك نظيره قوله تعالى قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا وعلى هذا كانت الآية حجة عليكم لان التغيير على الحرام لا على الحلال ولا يكفر مستحلها ولكن يضلل لان حرمتها دون حرمة الخمر لثبوتها بدليل غير مقطوع به من أخبار الآحاد وآثار الصحابة رضي الله عنهم على ما ذكرنا ولا يحد بشرب القليل منها لان الحد إنما يجب بشرب القليل من الخمر ولم يوجد بالسكر لان حرمة السكر من كل شراب كحرمة الخمر لثبوتها بدليل مقطوع به وهو نص الكتاب العزيز قال الله تعالى جل شأنه في الآية الكريمة إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون وهذه المعاني تحصل بالسكر من كل شرب فكانت حرمة السكر من كل شراب ثابتة بنص الكتاب العزيز كحرمة الخمر ولهذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحرمتين في قوله عليه الصلاة والسلام حرمت عليكم الخمر لعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام ما أراد به أصل الحرمة لان ذلك لا يقف على السكر في كل شراب دل ان المراد منه الحرمة الكاملة التي لا شبهة فيها كحرمة الخمر وكذا جمع سيدنا علي رضي الله عنه بينهما في الحد فقال فيما أسكر من النبيذ ثمانون وفى الخمر قليلها وكثيرها ثمانون ويجوز بيعها عند أبي حنيفة مع الكراهة وعند أبي يوسف ومحمد لا يجوز أصلا (وجه) قولهما ان محل البيع هو المال وانه اسم لما يباح الانتفاع به حقيقة وشرعا ولم يوجد فلا يكون مالا فلا يجوز بيعها كبيع الخمر (وجه) قول أبي حنيفة رضي الله عنه ان البيع مبادلة شئ مرغوب فيه بشئ مرغوب فيه قال الله تبارك وتعالى أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين وقد وجد ههنا لان الأشربة مرغوب فيها والمال اسم لشئ مرغوب فيه الا أن الخمر مع كونها مرغوبا فيها لا يجوز بيعها بالنص الذي روينا والنص ورد باسم الخمر فيقتصر على مورد النص وعلى هذا الخلاف إذا أتلفها انسان يضمن عنده وعندهما لا يضمن (ومنها) حكم نجاستها فقد روى عن أبي حنيفة رضي الله عنه انها لو أصابت الثوب أكثر من قدر الدرهم تمنع جواز الصلاة لأنه يحرم شرب قليلها وكثيرها كالخمر فكانت نجاستها غليظة كنجاسة الخمر وروى أنها لا تمنع أصلا لان نجاسة الخمر إنما ثبتت بالشرع بقوله عز شأنه رجس من عمل الشيطان فيختص باسم الخمر وعن أبي يوسف رحمه الله انه اعتبر فيها الكثير الفاحش كما في النجاسة الحقيقية لأنها وإن كانت محرمة الانتفاع لكن حرمتها دون حرمة الخمر حتى لا يكفر مستحلها ولا يحد بشرب القليل منها فأوجب ذلك خفة في نجاستها هذا الذي ذكرنا حكم النئ من عصير العنب ونبيذ التمر ونقيع الزبيب (وأما) حكم المطبوخ منها اما عصير العنب إذا طبخ أدنى طبخة وهو الباذق أو ذهب نصفه وبقى النصف وهو المنصف فيحرم شرب قليله وكثيره عند عامة العلماء رضي الله عنه م وروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله الأول أنه مباح وهو قول حماد بن أبي سليمان ويصح قول العامة لأنه إذا ذهب أقل من الثلثين بالطبخ فالحرام فيه بان وهو ما زاد على الثلث والدليل على أن الزائد على الثلث حرام ما روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه انه كتب إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه انى أتيت بشراب من الشام طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقى ثلثه يبقى حلاله ويذهب حرامه وريح جنونه فمر من قبلك فليتوسعوا من أشربتهم نص على أن الزائد على الثلث حرام وأشار إلى أنه ما لم يذهب ثلثاه فالقوة المسكرة فيه قائمة وكان ذلك بمحضر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ولم ينقل عنهم خلافه فكان اجماعا منهم ولا يحد شاربه ما لم يسكر وإذا سكر حدولا يكفر مستحله لما مر ويجوز معه عند أبي حنيفة وإن كان لا يحل شربه وعندهما لا يحل شربه ولا يجوز بيعه على ما ذكرنا هذا إذا طبخ عصير العنب فإذا طبخ العنب كما هو فقد حكى أبو يوسف عن أبي حنيفة رضي الله عنهما ان حكمه حكم العصير لا يحل حتى يذهب ثلثاه
(١١٥)