أقل الاكل في يوم مرة واحدة وهو المسمى بالوجبة وهو في وقت الزوال إلى زوال يوم الثاني منه والأكثر ثلاث مرات غداء وعشاء وفى نصف اليوم والوسط مرتان غداء وعشاء وهو الاكل المعتاد في الدنيا وفى الآخرة أيضا قال الله سبحانه وتعالى في أهل الجنة ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا فيحمل مطلق الاطعام على المتعارف وكذلك إذا غداهم وسحرهم أو عشاهم وسحرهم أو غداهم غداءين أو عشاهم عشاءين أو سحرهم سحورين لأنهما أكلتان مقصودتان فإذا غداهم في يومين أو عشاهم في يومين كان كأكلتين في يوم واحد معنى الا ان الشرط أن يكون ذلك في عدد واحد حتى لو غدى عدد أو عشى عددا آخر لم يجزه لأنه لم يوجد في حق كل مسكين أكلتان ولهذا لم يجز مثله في التمليك بان فرق حصة مسكين على مسكينين فكذا في التمكين وسواء كان الطعام مأدوما أو غير مأدوم حتى لو غداهم وعشاهم خبزا بلا إدام أجزأه لقول الله تبارك وتعالى فكفارته اطعام عشرة مساكين مطلقا من غير فصل بين المأدوم وغيره وقد أطعم ولان الله عز شأنه عرف الاطعام على وجه الإباحة باطعام الأهل وذلك قد يكون مأدوما وقد يكون غير مأدوم فكذا هذا وكذلك لو أطعم خبز الشعير أو سويقا أو تمرا أجزأه لان ذلك قد يؤكل وحده في طعام الأهل وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه قال إذا أطعم مسكينا واحدا غداء وعشاء أجزاه من اطعام مساكين وان لم يأكل الا رغيفا واحد لان المعتبر هو الكفاية والكفاية قد تحصل برغيف واحد فلا يعتبر القلة والكثرة فان ملكه الخبز بان أعطاه أربعة أرغفة فإن كان يعدل ذلك قيمة نصف صاع من حنطة أجزأه وان لم يعدل لم يجزه لان الخبز غير منصوص عليه فكان جوازه باعتبار القيمة وقال أبو يوسف رحمه الله لو غدى عشرة مساكين في يوم ثم أعطاهم مدا مدا أجزأه لأنه جمع بين التمليك والتمكين وكل واحد منهما جائز حال الانفراد كذا حال الاجتماع ولان الغداء مقدر بنصف كفاية المسكين والمد مقدر بنصف كفايته فقد حصلت له كفاية يوم فيجوز فان أعطى غيرهم مدا مدا لم يجز لأنه فرق طعام العشرة على عشرين فلم يحصل لكل واحد منهم مقدار كفايته ولو غداهم وأعطى قيمة العشاء فلوسا أو دراهم أجزأه عندنا خلافا للشافعي رحمة الله لان القيمة في الكفارة تقوم مقام المنصوص عليه عندنا وعنده لا تقوم (وأما) الذي يرجع إلى المحل المصروف إليه الطعام فمنها أن يكون فقيرا فلا يجوز اطعام الغنى عن الكفارة تمليكا وإباحة لان الله تبارك وتعالى أمر باطعام عشرة مساكين بقوله سبحانه فكفارته اطعام عشرة مساكين ولو كان له مال وعليه دين له مطالب من جهة العباد يجوز اطعامه لأنه فقير بدليل انه يجوز اعطاء الزكاة إياه فالكفارة أولى ومنها أن يكون ممن يستوفى الطعام وهذا في اطعام الإباحة حتى لو غدى عشرة مساكين وعشاهم وفيهم صبي أو فوق ذلك لم يجز وعليه اطعام مسكين واحد لقوله جل جلاله من أوسط ما تطعمون أهليكم وذلك ليس من أوسط ما يطعم حتى لو كان مراهقا جاز لان المراهق يستوفى الطعام فيحصل الاطعام من أوسط ما يطعم ومنها أن لا يكون مملوكه لان الصرف إليه صرف إلى نفسه فلم يجز ومنها أن لا يكون من الوالدين والمولودين فلا يجوز اطعامهم تمليكا وإباحة لان المنافع بينهم متصلة فكان الصرف إليهم صرفا إلى نفسه من وجه ولهذا لم يجز صرف الزكاة إليهم ولا تقبل شهادة البعض للبعض ولما ذكرنا ان الواجب بحق التكفير لما اقترف من الذنب بما أعطى نفسه مناها وأوصلها إلى هواها بغير اذن من الآذن وهو الله سبحانه جلت عظمته ففرض عليهم الخروج عن المعصية بما تتألم به النفس وينفر عنه الطبع ليذيق نفسه المرارة بمقابلة اعطائها من الشهوة وهذا المعنى لا يحصل باطعام هؤلاء لان النفس لا تتألم به بل تميل إليه لما جعل الله سبحانه الطبائع بحيث لا تحتمل نزول البلاء والشدة بهم وبحيث يجتهد كل في دفع الحاجة عنهم مثل الدفع عن نفسه ولو أطعم أخاه أو أخته وهو فقير جاز لان هذا المعنى لا يوجد في الأخ والأخت فدخل تحت عموم قوله تعالى فكفارته اطعام عشرة مساكين ولو أطعم ولده أو غنيا على ظن أنه أجنبي أو فقير ثم تبين أجزأه في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يجوز وهو على الاختلاف الذي ذكرنا في الزكاة وقد مر الكلام فيه ومنها ان لا يكون هاشميا لان الله تبارك وتعالى كره لهم غسالة أيدي الناس وعوضهم بخمس الخمس من الغنيمة ولو دفع إليه على ظن أنه ليس
(١٠٣)