جبير لا يجوز الا التمليك وبه أخذ الشافعي رحمه الله فالحاصل أن التمليك ليس بشرط الجواز الاطعام عندنا بل الشرط هو التمكين وإنما يجوز التمليك من حيث هو تمكين لا من حيث هو تمليك وعند الشافعي رحمه الله التمليك شرط الجواز لا يجوز بدونه (وجه) قوله أن التكفير مفروض فلا بد وأن يكون معلوم القدر ليتمكن المكلف من الاتيان به لئلا يكون تكليف ما لا يحتمله الوسع وطعام الإباحة ليس له قدر معلوم وكذا يختلف باختلاف حال المسكين من الصغر والكبر والجوع والشبع يحققه ان المفروض هو المقدر إذ الفرض هو التقدير يقال فرض القاضي النفقة أي قدر قال الله سبحانه وتعالى فنصف ما فرضتم لهن أي قدرتم فطعام الإباحة ليس بمقدر ولان المباح له يأكل على ملك المبيح فيهلك المأكول على ملكه ولا كفارة بما يهلك في ملك المكفر وبهذا شرط التمليك في الزكاة والعشر وصدقة الفطر (ولنا) أن النص ورد بلفظ الاطعام قال الله عز شأنه فكفارته اطعام عشرة مساكين والاطعام في متعارف اللغة اسم للتمكين من المطعم لا التمليك قال الله عز شأنه ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا والمراد بالاطعام الإباحة الا التمليك وقال النبي عليه الصلاة والسلام أفشوا السلام وأطعموا الطعام والمراد منه الاطعام على وجه الإباحة وهو الامر المتعارف بين الناس يقال فلان يطعم الطعام أي يدعو الناس إلى طعامه والدليل عليه قوله سبحانه وتعالى من أوسط ما تطعمون أهليكم وإنما يطعمون على سبيل الإباحة دون التمليك بل لا يخطر ببال أحد في ذلك التمليك فدل أن الاطعام هو التمكين من التطعم الا أنه إذا ملك جاز لان تحت التمليك تمكينا لأنه إذا ملكه فقد مكنه من التطعم والاكل فيجوز من حيث هو تمكين وكذا إشارة النص دليل على ما قلنا لأنه قال اطعام عشرة مساكين والمسكنة هي الحاجة واختصاص المسكين للحاجة إلى أكل الطعام دون تملكه تعم المسكين وغيره فكان في إضافة الاطعام إلى المساكين إشارة إلى أن الاطعام هو الفعل الذي يصير المسكين به متمكنا من التطعم لا التمليك بخلاف الزكاة وصدقة الفطر والعشر أنه لا يجوز فيه طعام الإباحة لان الشرع هناك لم يرد بلفظ الاطعام وإنما ورد بلفظ الايتاء والأداء قال الله تعالى في الزكاة وآتوا الزكاة وقال تعالى في العشر وآتوا حقه يوم حصاده وقال النبي عليه الصلاة والسلام في صدقة الفطر أدوا عن كل حر وعبد الحديث والايتاء والأداء يشعران بالتمليك على أن المراد من الاطعام المذكور في النص إن كان هو التمليك كان النص معلولا بدفع حاجة المسكين وهذا يقتضى جواز التمكين على طريق الإباحة بل أولى من وجهين أحدهما أنه أقرب إلى دفع الجوع وسد المسكنة من التمليك لأنه لا يحصل معنى الدفع والسد بتمليك الحنطة الا بعد طول المدة والا بعد تحمل مؤن فكان الاطعام على طريق الإباحة أقرب إلى حصول المقصود من التمليك فكان أحق بالجواز والثاني أن الكفارة جعلت مكفرة للسيئة بما أعطى نفسه من الشهوة التي لم يؤذن له فيها حيث لم يف بالعهد الذي عهد مع الله تعالى عز شأنه فحرج فعله مخرج ناقض العهد ومخلف الوعد فجعلت كفارته بما تنفر عنه الطباع وتتألم ويثقل عليها ليذوق ألم اخراج ماله المحبوب عن ملكه فيكفر ما أعطى نفسه من الشهوة لأنه من وجه أذن له فيها ومعنى تألم الطبع فيما قلنا أكثر لان دعاء المساكين وجمعهم على الطعام وخدمتهم والقيام بين أيديهم أشد على الطبع من التصدق عليهم لما جبل طبع الأغنياء عل النفرة من الفقراء ومن الاختلاط معهم والتواضع لهم فكان هذا أقرب إلى تحقيق معنى التكفير فكان تجويز التمليك تكفيرا تجويزا لطعام الإباحة تكفيرا من طريق الأولى (وأما) قوله إن الكفارة مفروضة فلا بد وأن تكون معلومة القدر فنقول هي مقدرة بالكفارة لان الله عز شأنه فرض هذا الاطعام وعرف المفروض باطعام الأهل بقوله عز شأنه من أوسط ما تطعمون أهليكم فلا بد وأن يكون الأهل معلوما والمعلوم من طعام الأهل هو طعام الإباحة دون التمليك فدل على أن طعام الإباحة معلوم القدر وقدره الكفارة بطعام الأهل فجاز أن يكون مفروضا كطعام الأهل فيمكنه الخروج عن عهدة الفرض وأما قوله أن الطعام يهلك على ملك المكفر فلا يقع عن التكفير فممنوع بل كما صار مأكولا فقد زال ملكه عنه الا أنه يزول لا إلى أحد وهذا يكفي لصيرورته كفارة كالاعتاق (وأما) الذي يرجع إلى مقدار ما يطعم فالمقدار في التمليك هو نصف صاع
(١٠١)