من حنطة أو صاع من شعير أو صاع من تمر كذا روى عن سيدنا عمر وسيدنا على وسيدتنا عائشة رضى الله تعالى عنهم وذكر في الأصل بلغنا عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال ليرفأ مولاه إني أحلف على قوم لا أعطيهم ثم يبدو لي فأعطهم فإذ انا فعلت ذلك فأطعم عشرة مساكين كل مسكين نصف صاع من حنطة أو صاعا من تمر وبلغنا عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال في كفارة اليمين اطعام عشرة مساكين نصف صاع من حنطة وبه قال جماعة من التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد والحسن وهو قول أصحابنا رضي الله عنهم وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن سيدنا عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ومن التابعين عطاء وغيره لكل مسكين مد من حنطة وبه أخذ مالك والشافعي رحمهما الله والترجيح لقول سيدنا عمر وسيدنا على وسيدتنا عائشة رضوان الله عليهم لقوله تعالى عز اسمه من أوسط ما تطعمون أهليكم والمد ليس من الأوسط بل أوسط طعام الأهل يزيد على المد في الغالب ولأن هذه صدقة مقدرة بقوت مسكين ليوم فلا تنقص عن نصف صاع كصدقة الفطر والأذى فان أعطى عشرة مساكين كل مسكين مدا من حنطة فعليه أن يعيد عليهم مدا مدا فإن لم يقدر عليهم استقبل الطعام لان المقدار ان لكل مسكين في التمليك مدا فلا يجوز أقل من ذلك ويجوز في التمليك الدقيق والسويق ويعتبر فيه تمام الكيل ولا يعتبر فيه القيمة كالحنطة لأنه حنطة الا أنه فرقت أجزاؤها بالطحن وهذا التفريق تقريب إلى المقصود منها فلا تعتبر فيه القيمة ويعتبر في تمليك المنصوص عليه تمام الكيل ولا يقوم البعض مقام بعض باعتبار القيمة إذا كان أقل من كيله حتى لو أعطى نصف صاع من تمر تبلغ قيمته قيمة نصف صاع من حنطة لا يجوز لأنه منصوص عليه فيقع عن نفسه لا عن غيره فأما الأرز والذرة والجاورس فلا يقوم مقام الحنطة والشعير في الكيل لأنه غير منصوص عليه وإنما جوازه باعتبار القيمة فتعتبر قيمته كالدراهم والدنانير وهذا عند أصحابنا رحمهم الله وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز الا إذا عين المنصوص عليه ولا يجوز دفع القيم والابدال كما في الزكاة وعندنا يجوز (وجه) قوله إن الله تعالى أمر بالاطعام بقوله جل شأنه فكفارته اطعام عشرة مساكين فالقول بجواز أداء القيمة يكون تغييرا لحكم النص وهذا لا يجوز (ولنا) ما ذكرنا ان اطعام المسكين اسم لفعل يتمكن المسكين به من التطعم في متعارف اللغة لما ذكرنا فيما تقدم وهذا يحصل بتمليك القيمة فكان تمليك القيمة من الفقير اطعاما له فيتناول النص وجواز التمليك من حيث هو تمكين لا من حيث هو تمليك على ما مر ان الاطعام إن كان اسما للتمليك فجوازه معلول بدفع الحاجة وهو المسألة عرفنا ذلك بإشارة النص وضرب من الاستنباط على ما بينا والقيمة في دفع الحاجة مثل الطعام فورود الشرع بجواز الطعام يكون ورودا بجواز القيمة بل أولى لان تمليك الثمن أقرب إلى قضاء حاجة المسكين من تمليك عين الطعام لان به يتوصل إلى ما يختاره من الغذاء الذي اعتاد الاغتذاء به فكان أقرب إلى قضاء حاجته فكان أولى بالجواز ولما ذكرنا أن التكفير بالاطعام يحمل مكروه الطبع بإزاء ما نال من الشهوة وذلك المعنى يحصل بدفع القيمة ولان الكفارة جعلت حقا للمسكين فمتى أخرج من عليه الطعام إلى المستحق بدله وقبله المستحق عن طوع فقد استبدل حقه به فيجب القول بجواز هذا الاستبدال بمنزلة التناول في سائرا الحقوق (وأما) المقدار في طعام الإباحة فأكلتان مشبعتان غداء وعشاء وهذا قول عامة العلماء وعن ابن سيرين وجابر بن زيد ومكحول وطاوس والشعبي انه يطعمهم أكلة واحدة وقال الحسن وجبة واحدة والصحيح قول العامة لان الله عز وجل عرف هذا الاطعام باطعام الأهل بقوله تعالى من أوسط ما تطعمون أهليكم وذلك أكلتان مشبعتان غداء وعشاء كذا هذا ولان الله جل شأنه ذكر الأوسط والأوسط ما له حاشيتان متساويتان وأقل عدد له حاشيتان متساويتان ثلاثة وذلك يحتمل أنواعا ثلاثة أحدهما الوسط في صفات المأكول من الجودة والرداءة والثاني الوسط من حيث المقدار من السرف والقتر والثالث الوسط من حيث أحوال الاكل من مرة ومرتين وثلاث مرات في يوم واحد ولم يثبت بدليل عقلي ولا بسمعي تعيين بعض هذه الأنواع فيحمل على الوسط من الكل احتياطا ليخرج عن عهدة الفرض بيقين وهو أكلتان في يوم بين الجيد والردئ والسرف والفتر ولان
(١٠٢)