عنهما وكذلك لو أطعم عشرة مساكين كل مسكين صاعا عن يمينين فهو على هذا الاختلاف ولو كانت الكفارتان من جنسين مختلفين جاز فيهما بالاجماع (وأما) وجه قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله فلما ذكرنا من أصل أصحابنا الثلاثة ان الكفارتين إذا كانتا من جنس واحد لا يحتاج فيهما إلى نية التعيين بل تلغو نية التعيين ههنا ويبقى أصل النية وهو نية الكفارة يدفع ستين صاعا إلى ستين مسكينا من غير تعين ان نصفه عن هذا ونصفه عن ذاك ولو لم يعين لم يجز الا عن أحدهما كذا هذا الا ان محمدا يقول إن نية التعيين إنما تبطل لأنه لا فائدة فيها وههنا في التعيين فائدة وهي جواز ذلك عن الكفارتين فوجب اعتبارها ويقول اطعام ستين مسكينا يكون عن كفارة واحدة والكفارة الواحدة منهما مجهول ولهذا قال إذا أعتق رقبة واحدة عنهما لا يجوز عن واحدة منهما بخلاف ما إذا كانت الكفارتان من جنسين لأنه قد صح من أصل أصحابنا جميعا ان نية التعيين عند اختلاف الجنس معتبرة وإذا صح التعيين والمؤدى يصلح عنهما جميعا وقع المؤدى عنهما فجاز عنهما جميعا والله تعالى أعلم (وأما) شرط جواز النية فهو أن تكون النية مقارنة لفعل التكفير فإن لم تقارن الفعل رأسا أو لم تقارن فعل التكفير بأن تأخرت عنه لم يجز لان اشتراط النية لتعيين المحتمل وايقاعه على بعض الوجوه ولن يتحقق ذلك الا إذا كانت مقارنة للفعل ولأن النية هي الإرادة والإرادة مقارنة للفعل كالقدرة الحقيقية لان بها يصير الفعل اختياريا وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى أباه أو ابنه ينوى به العتق عن كفارة يمينه أو ظهاره أو افطاره أو قتله أجزأه عندنا استحسانا والقياس أن لا يجزيه وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله بناء على أن شراء القريب اعتاق عندنا فإذا اشتراه ناويا عن الكفارة فقد قارنت النية الاعتاق فجاز وعندهما العتق يثبت بالقرابة والشراء شرط فلم تكن النية مقارنة لفعل الاعتقاق فلا يجوز (وجه) القياس ان الشراء ليس باعتاق حقيقة ولا مجازا أما الحقيقة فلا شك في انتفائها لان واضع اللغة ما وضع الشراء للاعتاق (وأما) المجاز فلان المجاز يستدعى المشابهة في المعنى اللازم المشهور في محل الحقيقة ولا مشابهة ههنا أصلا لأن الشراء تملك والاعتاق إزالة الملك وبينهما مضادة (ولنا) ما روى أبو داود في سننه باسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لن يجزى ولد والدا الا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه سماه معتقا عقيب الشراء ولا فعل منه بعد الشراء فعلم أن الشراء وقع اعتاقا منه عقلنا وجه ذلك أو لم نعقل فإذا نوى عند الشراء الكفارة فقد اقترنت النية بفعل الاعتاق فجاز وقولهما الشراء ليس باعتاق حقيقة ممنوع بل هو اعتاق حقيقة لكن حقيقة شرعية لا وضعية والحقائق أنواع وضعية وشرعية وعرفية على ما عرف في أصول الفقه وكذلك إذا وهب له أو أوصى له به فقبله لأنه يعتق بالقبول فقارنت النية فعل الاعتاق وان ورثه ناويا عن الكفارة لم يجز لان العتق ثبت من غير صنعه رأسا فلم يوجد قران النية الفعل فلا يجوز وعلى هذا يخرج ما إذا قال لعبد الغير أن اشتريتك فأنت حر فاشتراه ناويا عن الكفارة لم يجز لان العتق عند الشراء يثبت بالكلام السابق ولم تقارنه النية حتى لو قال إن اشتريت فلانا فهو حر عن كفارة يميني أو ظهاري أو غير ذلك يجزيه لقران النية كلام الاعتاق ولو قال إن اشتريت فلانا فهو حر عن ظهاري ثم قال بعد ذلك ما اشتريته فهو حر عن كفارة قتلى ثم اشتراه فهو حر عن الظهار لأنه لما قال إن اشتريته فهو حر عن كفارة قتلى فقد أراد فسخ الأول واليمين لا تحتمل الفسخ وكذلك لو قال إن اشتريته فهو حر تطوعا ثم قال إن اشتريته فهو حر عن ظهاري ثم اشتراه كان تطوعا لأنه بالأول علق عتقه تطوعا بالشراء ثم أراد بالثاني فسخ الأول واليمين لا يلحقها الفسخ والله عز شأنه أعلم (وأما) الذي يخص البعض دون البعض فأما كفارة اليمين فيبدأ بالاطعام ثم بالكسوة ثم بالتحرير لان الله تعالى عز شأنه بدأ بالاطعام في كتابه الكريم وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام ابدؤا بما بدأ الله به فنقول لجواز الاطعام شرائط بعضها يرجع إلى صفة الاطعام وبعضها يرجع إلى مقدار ما يطعم وبعضها يرجع إلى محل المصروف إليه الطعام أما الذي يرجع إلى صفة الاطعام فقد قال أصحابنا انه يجوز فيه التمليك وهو طعام الإباحة وهو مروى عن سيدنا علي كرم الله وجهه وجماعة من التابعين مثل محمد ابن كعب والقاسم وسالم والشعبي وإبراهيم وقتادة ومالك والثوري والأوزاعي رضي الله عنهم وقال الحكم وسعيد بن
(١٠٠)