القاضي بشهادة فادعى المشهود عليه أنهم شهدوا بزور وقال أنا أجرحهم وأقيم البينة أنهم استؤجروا وأنهم قوم فساق فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول لا أقبل الجرح على مثل هذا وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقبله فأما غير ذلك من محدود في قذف أو شريك أو عبد فهما يقبلان في هذا الجرح جميعا وحفظي عن أبي يوسف أنه قال بعد يقبل الجرح إذا شهد من أعرفه وأثق به (قال الشافعي) رضي الله عنه وإذا شهد الشهود على الرجل بشهادة فعدلوا انبغى للقاضي أن يسميهم وما شهدوا به على المشهود عليه ويمكنه من جرحهم فإن جاء بجرحتهم قبلها وإن لم يأت بها أمضى عليه الحق ويقبل في جرحتهم أن يكونوا له مهاجرين في الحال التي شهدوا فيها عليه وإن كانوا عدولا ويقبل جرحتهم بما تجرح به الشهود من الفسق وغيره وينبغي أن يقف الشهود على جرحتهم ولا يقبل منهم الجرحة إلا بأن يبينوا ما يجرحون به مما يراه هو جرحا فإن من الشهود من يجرح بالتأويل وبالأمر الذي لا جرح في مثله فلا يقبل حتى يثبتوا ما يراه هو جرحا كان الجارح من شاء أن يكون في فقه أو فضل، وإذا شهد الوصي للوارث الكبير على الميت بدين أو صدقة في دار أو هبة أو شراء فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا تجوز ذلك وكان ابن أبي ليلى يقول هو جائز وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا مات الرجل فأوصى إلى رجل فشهد الوصي لمن لا يلي أمره من وارث كبير رشيد أو أجنبي أو وارث يليه غير الوصي فشهادته جائزة وليس فيها شئ ترد له وكذلك إذا شهد لمن لا يلي أمره على أجنبي، وإذا شهد الوصي على غير الميت للوارث الكبير بشئ له خاصة فشهادته جائزة في قولهما جميعا (قال الشافعي) وكذلك إذا شهد لمن لا يلي أمره على أجنبي، وإذا ادعى رجل دينا على ميت فشهد له شاهدان على حقه وشهد هو وآخر على وصية ودين لرجل عليه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول شهادتهم جائزة لأن الغريم يضر نفسه بشهادته وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا تجوز شهادته وإذا شهد أصحاب الوصايا بعضهم لبعض لم تجز لأنهم شركاء في الوصية الثلث بينهم وقال أبو يوسف أصحاب الوصايا والغرماء سواء لا تجوز شهادة بعضهم لبعض (قال الشافعي) رضي الله تعالى عنه وإذا كان لرجل دين ببينة على ميت ثم شهد هو وآخر معه لرجل بوصية فشهادتهما جائزة ولا شئ فيها مما ترد له إنما ترد بأن يجرا إلى أنفسهما بها وهذان لم يجرا إلى أنفسهما بها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد أصحاب الوصايا بعضهم لبعض لم يجز لأنهم شركاء في الوصية الثلث بينهم، وإذا شهد الرجل لامرأته فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول لا تجوز شهادته لها وكذلك بلغنا عن شريح وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول شهادته لها جائزة (قال الشافعي) رضي الله تعالى عنه ترد شهادة الرجل لوالديه وأجداده وإن يعدوا من قبل أبيه وأمه ولولده وإن سفلوا ولا ترد لأحد سواهم زوجة ولا أخ ولا عم ولا خال، وإذا شهد الرجل على شهادة وهو صحيح البصر ثم عمى فذهب بصره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا تجوز شهادته تلك إذا شهد بها بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رد شهادة أعمى شهد عنده وكان ابن أبي ليلى يقول شهادته جائزة وبه يأخذ إذا كان شئ لا يحتاج أن يقف عليه (قال الشافعي) رحمه الله وإذا شهد الرجل وهو بصير ثم أدى الشهادة وهو أعمى جازت شهادته من قبل أن أكثر ما في الشهادة السمع والبصر وكلاهما كان فيه يوم شهد فإن قال قائل ليسا فيه يوم يشهد قيل إنما احتجنا إلى الشهادة يوم كانت فأما يوم تقام فإنما هي تعاد بحكم شئ قد أثبته بصيرا ولو رددناها إذا لم يكن بصيرا لأنه لا يرى المشهود عليه حين يشهد لزمنا أن لا نجيز شهادة بصير على ميت ولا على غائب لأن الشاهد لا يرى الميت ولا الغائب والذي يزعم أنه لا يجيز شهادته بعد العمى وقد أثبتها بصيرا يجيز شهادة البصير
(١٣١)