وهب الرجل لابنه جارية وابنه في عياله فإن كان الابن بالغا لم تكن الهبة تامة حتى يقبضها الابن وسواء كان في عياله أو لم يكن وكذلك روي عن أبي بكر وعائشة وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم في البالغين وعن عثمان أنه رأى أن الأب يجوز لولده ما كانوا صغارا وهذا يدل على أنه لا يجوز لهم إلا في حال الصغر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهكذا كل هبة ونحلة وصدقة غير محرمة فهي كلها من العطايا التي لا يؤخذ عليها عوض ولا تتم إلا بقبض المعطى، وإذا وهب الرجل دارا لرجلين أو متاعا وذلك المتاع مما يقسم فقبضاه جميعا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا تجوز تلك الهبة إلا أن يقسم لكل واحد منهما منها حصته وكان ابن أبي ليلى يقول الهبة جائزة وبه يأخذ وإذا وهب اثنان لواحد وقبض فهو جائز وقال أبو يوسف هما سواء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهب الرجل لرجلين بعض دار لا تقسم أو طعاما أو ثيابا أو عبدا لا ينقسم فقبضا جميعا الهبة فالهبة جائزة كما يجوز البيع وكذلك لو وهب اثنان دارا بينهما تنقسم أو لا تنقسم أو عبدا لرجل وقبض جازت الهبة، وإذا كانت الدار لرجلين فوهب أحدهما حصته لصاحبه ولم يقسمه له فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول الهبة في هذا باطلة ولا تجوز وبه يأخذ ومن حجته في ذلك أنه قال لا تجوز الهبة إلا مقسومة معلومة مقبوضة بلغنا عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه نحل عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها جذاذ عشرين وسقا من نخل له بالعالية فلما حضره الموت قال لعائشة إنك لم تكوني قبضتيه وإنما هو مال الوارث فصار بين الورثة لأنها لم تكن قبضته وكان إبراهيم يقول لا تجوز الهبة إلا مقبوضة وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فهذا قبض منه للهبة وهذه معلومة وهذه جائزة وإذا وهب الرجلان دارا لرجل فقبضها فهو جائز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا يفسد الهبة أنها كانت لاثنين وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فقبض الهبة فالهبة جائزة والقبض أن تكون كانت في يدي الواهب فصارت في يدي الموهوبة له لا وكيل معه فيها أو يسلمها ربها ويخلى بينه وبينها حتى يكون لا حائل دونها هو ولا وكيل له فإذا كان هذا هكذا كان قبضا والقبض في الهبات كالقبض في البيوع ما كان قبضا في البيع كان قبضا في الهبة وما لم يكن قبضا في البيع لم يكن قبضا في الهبة، وإذا وهب الرجل للرجل الهبة وقبضها دارا أو أرضا ثم عوضه بعد ذلك منها عوضا وقبض الواهب فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول ذلك جائز ولا يكون فيه شفعة وبه يأخذ وليس هذا بمنزلة الشراء وكان ابن أبي ليلى يقول هذا بمنزلة الشراء ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض ولا يستطيع الواهب أن يرجع في الهبة بعد العوض في قولهما جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهب الرجل الرجل شقصا من دار فقبضه ثم عوضه الموهوبة له شيئا فقبضه الواهب سئل الواهب فإن قال وهبتها لثواب كان فيها الشفعة وإن قال وهبتها لغير ثواب لم يكن فيها شفعة وكانت المكافأة كابتداء الهبة وهذا كله في قول من قال للواهب الثواب إذا قال أردته فأما من قال لا ثواب للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس له الرجوع في شئ وهبه ولا الثواب منه (قال الربيع) وفيه قول آخر: إذا وهب واشترط الثواب فالهبة باطلة من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس له أن يرجع في شئ وهبه وهو معنى قول الشافعي، وإذا وهب الرجل للرجل هبة في مرضه فلم يقبضها الموهبة له حتى مات الواهب فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: الهبة في هذا باطلة لا تجوز وبه يأخذ (قال) ولا تكون له وصية إلا أن يكون ذلك في ذكر وصيته وكان ابن أبي ليلى يقول هي جائزة من
(١٢١)