سويا في كل أفعاله ويتوقف ذلك على صحة المواد والطوارئ وتدبيرها وقد عرفت تكفل الطب بها حاصلة أو زائلة لا شتماله على حفظ الأول ورد الثاني * (البحث الثاني في تقرير يخص المسافرين) * لاشك أن السفر غير طبيعي فصاحبه معرض للآفات لتغير الماء والهواء ومفارقة كثير من مألوفاته فاحتجنا إلى العناية بإفراد الكلام عليه فنقول: يجب عليه تقليل الغذاء والماء وأنه ينقى بدنه عند السفر من كل ما كان غالبا من الفاسد من أي خلط كان ويقلل من البقول والفواكه ما أمكن لسرعة التعفن فإن كان سفره برا أكثر من المرطبات الملينة خصوصا في الصيف وإن خاف كثرة الاكل وكان شديد الشهوة وخشي فراغ الزاد صحب ما يغنى عن الاكل زمنا طويلا مثل الكبود المجففة مسحوقة مع بزر الخشخاش واللوز وعجنت بالشحوم فان قليلها يكفي عن كثير من غيرها وأن يصحب ما يمنع من فساد الهواء كالبصل والنعناع المرضوض مع الزبيب والسماق وقد عجنت بشئ من الخل وتجعل في المياه فتصلحها وتزيل تغيره مطلقا وإن كان في البحر شرب من مائه أولا وتقايأه ثم يطلى وجهه بالخل ويأخذ ما أمكن من الربوب الحامضة وإن كان الهواء وبائيا صحب معه العنبر أو اللاذن أو دهن البنفسج وإن كان في الشتاء صحب ما يمنع دهنه شقوق الأطراف مثل الزيت المغلى فيه الثوم ودهن الغوالي، وفى القانون أن شرب أربع أواق من دهن البنفسج ممزوجة بالشمع تكفى عن الاكل عشرة أيام، ومما يعرض للمسافر قلة الماء فينبغي أن يصحب ما يمنع العطش كبزر الرجلة المسحوق في الأقط ومزج الماء بالخل وهجر الموالح والكوامخ وأخذ سويق الشعير والدوغ وهو اللبن المخيض، ومن اشتد به الحر والعطش فلا يبادر إلى الماء الصرف بل يشرب القليل ممزوجا بدهن الورد أو الخل حتى يسكن العطش ثم يشرب ويحفظ أطرافه من الحر بالطلاء بعصارة الرجلة والاسفيداج وبياض البيض ودهن الورد وماء الكزبرة قيروطيا وقد ذكرنا ما يمنع البرد أيضا لكن قال الشيخ إن من تدبير منع البرد في السفر والحضر شرب درهم من الحلتيت في رطل من الشراب فإنه يمنع البرد مطلقا وكذلك دهن السوسن كيف استعمل قال ويحذر في إنكار البرد القرب من النار بل يتدثر ولا شئ للاطراف كالقطران والثوم والقثاء واللاذن وإذا بلغ البرد إعدام الحس فالنطول بطبيخ السلجم والشبت والبابونج والفوتنج والنمام فان اسود العضو شرط في الماء الحار ودثر فان تعفن عولج ولطخ المتعفن بما يأكله لئلا يفسد غيره ومن التدابير العامة تصعيد الماء وتقطيره أو جره بالملعقة ووضع بزر الكرفس فيه أو حب الآس أو الشب أو الطين الخالص وإن كان من طين بلده فهو الغاية وقد يصلح الماء بعض الاصلاح بمزج ماء كل محل بالذي يليه بدوام المناسبة (وأما تدبير الحالة المتوسطة) فهي تطلق على أنحاء كثيرة حاصلها اجتماع الصحة والمرض في جسم واحد إما لكون كل ليس في الغاية كالطفل والناقة فان كلا منهما ليس بقادر على الافعال الشاقة كالصحيح ولا عاجز عن غذاء لوجع ونحوه كالمريض أو يجتمع كل منهما في وقت واحد لكن تكون الصحة مثلا في المزاج والمرض في العضو والعكس أو كل في عضو أو يكون في المقدار والوضع أو أحدهما في الرطوبة والآخر في اليبوسة أو العكس وكذا الحرارة والبرودة أو يكون بالنسبة إلى الوقت فصحيح في الصيف مريض في غيره فهذه أقسام هذه الحالة كلية وإن كان في الامكان أن تتجزأ إلى غير ذلك كتجزئة الفصول والسن وغيرهما وقد أنكرها قوم محتجين بأن البدن إما صحيح أو مريض وفى الحقيقة لا منافاة بين إيجاب هذه الحالة وسلبها لأنا إن عنينا بالصحة أو المرض جملة البدن وكون كل في الغاية فلا واسطة وإلا ثبتت.
* (تنبيه) * اختلف الأطباء فذهب جالينوس وأتباعه إلى أن كلا من الصحة والمرض أصل مستقل