وهذه الرابعة. فما هي بخيرهن ولا أبرهن، بل هي شرهن وأفجرهن. ثم قال عمار للرجل: أشهدت بدرا وأحدا ويوم حنين؟ أو شهدها أب لك فيخبرك عنها؟
قال: لا. قال: فإن مركزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين. وإن مراكز رايات هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب. فهل ترى هذا العسكر ومن فيه؟ والله لوددت أن جميع من فيه ممن أقبل مع معاوية يريد قتالنا. مفارقا للذي نحن عليه. كانوا خلقا واحدا فقطعته وذبحته. والله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور. أفترى دم عصفور حراما؟ قال: لا. بل حلال. قال: فإنهم حلال كذلك. أتراني بينت لك؟ قال: قد بينت لي. قال فاختر أي ذلك أحببت.
فانصرف الرجال. فدعاه عمار ثم قال: أما أنهم سيضربونكم بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا: لو لم يكونوا على حق ما أظهروا علينا. والله ما هم من الحق على ما يقذي عين ذباب، والله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر. لعلمنا أنا على حق. وإنهم على باطل.
وروي: جاء رجل إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء القوم الذي نقاتلهم، الدعوة واحدة، والرسول واحد، والصلاة واحدة، والحج واحد فماذا نسميهم؟ قال: سمهم بما سماهم الله في كتابه. قال: ما كل ما في الكتاب أعلمه. قال: أما سمعت الله تعالى يقول: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) - إلى قوله - (ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات، ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر) (1). فلما وقع الاختلاف. كنا نحن أولى بالله. وبالكتاب وبالنبي وبالحق. وهم الذين كفروا وشاء الله قتالهم. فقاتلهم بمشيئته وإرادته (2).
لقد كان عمار يقاتل وهو يعلم أن نتيجة القتال في نهاية المعركة ستكون لصالح معاوية، وكان يعلم أنه مقتول لا محالة بين صفين في هذه المعركة.