رأسه، وإنما كان يقول: فوالله ما أبالي أسقطت على الموت أم سقط علي " (1).
ولم يكن الإمام يتألم من هذا، وإنما كان يتألم أن يرى باطلا ولا يستطيع كسره.
وذلك لأنه يعيش في دائرة الإيمان الكامل. وأصحاب هذه الدائرة لا تشعر جوارحهم إلا بما في مخزون الفطرة ودائرة العبادة الحق. لقد كان الإمام يعلم بأنه مقتول، ولكنه كان يأخذ بأسباب إقامة المجتمع الصالح. وليس معنى أن الله تعالى كتب على كل إنسان الموت وأن يجلس الإنسان على سريره لينتظر الموت، وإنما عليه أن يكد ويحصل العلوم ويأخذ بأسباب الحياة الكريمة التي تؤمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي.
والإمام أعلن أمام الجميع إخبار الرسول له بأنه مقتول. وهناك فرق بين مقتول وميت. فإذا كانت الأمة ستقتل الإمام، فهل هذا أخذا بأسباب الحياة الكريمة؟ قد يقال إن الذي قتله إنسان واحد، فنقول إن الذي قتل الناقة كان إنسان واحد، ولكن الله عندما أخبرنا بقتلها قال: " فكذبوه فعقروها " ثم أخبرهم الإمام أن بعد القتل سيأتيهم العذاب. والعجيب أن الإمام عندما أخبرهم بأنه سيقتل وأن معاوية سيملك ما تحت قدمه. سارع البعض بإرسال الرسائل إلى معاوية واتخذوا عنده الأيادي. فهل هذا أخذا بالأسباب الكريمة؟. فإذا جاء العذاب فهل يكون العذاب إلا نتيجة طبيعية لأعمالهم. لأن الله لا يظلم مثقال ذرة.
إن الإنسان الذي يفسد دينه الفطري لا تتعادل قواه الحسية الداخلية، وتصبح معظم ملكات نفسه في حالة جوع دائم. واليهود عندما فسد دينهم الفطري جاعت نفوسهم، وعندما جاء إليهم أنبياء الله ورسله لإطعامهم الحلال، لم يجدوا في الحلال كفاية، فقتلوا الأنبياء، ولما كان لا بد أن يسير اليهود وراء إمام لهم، بشرط أن يكون هذا الإمام موافق لما يريدون، بدأوا ينقبون في أحاديث الغيب وأخبار المستقبل التي تركتها رسلهم. فوجدوا أحاديث عليها علامات تحذيرية وأخرى عليها علامات تبشيرية، واختلط الأمر عليهم فهناك