وبعد شهادة القتال على الدنيا تأتي شهادة جابر بن عبد الله التي سجل فيها خروج الناس من دين الله أفواجا بعد أن دخلوه أفواجا، فعن أبي عمار قال:
حدثني جار لجابر بن عبد الله قال: قدمت من سفر فجاءني جابر يسلم علي، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا، فجعل جابر يبكي ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا (1)، ومات جابر بن عبد الله في عهد عبد الملك، وبعد شهادة جابر تأتي شهادة أنس بن مالك التي سجل فيها ضياع كل شئ، روى البخاري عن الزهري أنه دخل على أنس فوجده يبكي فقال: ما يبكيك؟ قال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة. وهذه الصلاة قد ضيعت "، وعن ابن عمران الجوفي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما أعرف شيئا اليوم مما كنا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلنا: فأين الصلاة قال:
أولم تصنعون في الصلاة ما قد علمتم " (2).
وقد يقول قائل: ما معنى ضياع الصلاة على الرغم من أن الناس يصلون؟
فنقول: إن معنى الضياع هو تفريغ الصلاة من الخشوع كما فرغ القرآن. من التفسير، والخشوع يبهت إذا ابتعد الإنسان عن المصدر الذي يعله الكتاب والحكمة، ومعنى الضياع أيضا أن يتقرب الإنسان بها إلى الله وهو يعتقد أن الإله يمكن أن يرى وأن له أعضاء ويضحك ويبكي إلى غير ذلك. فالصلاة هنا مصدرها الوحيد عالم الضياع الذي ينتهي إلى هباء ضائع في خلاء، ومن معاني الضياع إدخال ما ليس من الصلاة في الصلاة أو سرقتها، وأول من وضع وتد السرقة من الصلاة معاوية بن أبي سفيان وما زالت سرقته جارية إلى يومنا هذا، يقول الإمام فخر الدين الرازي في تصنيف له في سورة الفاتحة:
روى الشافعي بإسناده أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ولم يكبر عند الخفض إلى الركوع والسجود، فلما سلم ناداه