الطريقة سبيلا إلى المخاصمة، فقد تشاح أصحاب الشورى على الخلافة، وأخروا إبرام الأمر، ورجا كل واحد منهم أن يكون خليفة... وكاد يؤدي هذا الأمر إلى الفتنة، فقد تطلع الناس إلى معرفة خليفتهم وإمامهم، واحتاج من أقام لانتظار ذلك من أهل البلدان إلى الرجوع إلى أوطانهم، ولسنا ندري ما الذي حمل سيدنا عمر على الوقوع في هذا الارتباك، وقد كان قادرا على أن يستخلف أصلح القوم، وهو يعرفهم واحدا واحدا، ويعرف عيوبهم وفضائلهم، ولكنه عدل عن ذلك، وإذا لجأت إلى الحرية في الكلام قلت: خاف التبعة ففر منها، فإنه جعل الأمر شورى بين جماعة كل واحد منهم يريد الخلافة لنفسه مخالفا للقواعد النفسية في السياسة، ولقد أنقذ الله المسلمين من فتنة الشورى، وكانوا في غنى عنها لو حزم عمر... ففكرة عمر في أن يجعل أمر المسلمين شورى بين ستة يتزاحمون على الخلافة غلطة نفسية، وقد أدرك معاوية هذه الغلطة، ومثله لا يكاد يفوته شئ من أسرار السياسة النفسية، فقد ذكروا أن زيادا أوفد ابن حصين إلى معاوية، فأقام عنده ما أقام، ثم إن معاوية بعث إليه ليلا فخلا به، فقال له:
يا ابن حصين قد بلغني أن عندك ذهنا وعقلا فأخبرنا عن أي شئ أسألك عنه؟
قال: سلني عما بدا لك، قال: أخبرني ما الذي شتت أمر المسلمين وملأهم وخالف بينهم؟ قال ابن حصين: نعم، قتل الناس عثمان، فقال معاوية: ما صنعت شيئا. قال: فمسير علي إليك وقتاله إياك. فقال: ما صنعت شيئا، قال ابن حصين: فمسير طلحة والزبير وعائشة وقتال علي إياهم، فقال: ما صنعت شيئا. قال: ما عندي غير هذا يا أمير المؤمنين. فقال معاوية: فأنا أخبرك، إنه لم يشتت بين المسلمين، ولا فرق أهواءهم إلا الشورى التي جعلها عمر إلى ستة نفر.... فلم يكن رجل منهم إلا رجاها لنفسه وجاها له قومه وتطلعت إلى ذلك نفسه، ولو أن عمر استخلف عليهم كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك خلاف... وعلى هذا فالشورى غلطة نفسية رحم الله من غلطها.
ويعلق سيد قطب على هذا الكلام فيقول:... إن الشخصية التي يصدر عليها مثل هذا الحكم السريع شخصية جليلة ضخمة فذة في تاريخ الإسلام...
على أنني لست من أنصار القداسة المطلقة للشخصيات الإسلامية، ولست أعني