مما تقدم أن أحرم المعاصرين حق الحكم على هذه الشخصيات، ولكني أريد أن تتوافر أسباب الحكم كاملة... وليس ما نقله الأستاذ من أقوال معاوية حجة، فمعاوية كان يريد بهذا القول التمهيد لاستخلاف ابنه يزيد، وهنا عنصر نفسي فات الأستاذ جبري ملاحظته، ولست أجزم الجزم القاطع برأيي هذا، كما فعل الأستاذ في تخطئة عمر، ولكني أريد فقط ألا نسارع إلى الحكم القاطع وبين أيدينا كفتا الميزان على الأقل تتأرجحان (1).
ثم يتطرق الكاتب إلى معركة صفين، فوصف الإمام بأنه كان يجهل العناصر النفسية في صراعه مع معاوية فقال: لم تكن معرفته بالأمور النفسية على قدر صراحته، فإذا لم تنجح سياسته النجاح كله، فهذا سببه أنه لم يخطر على باله أن طلب الحقوق يستلزم كثيرا من حسن الموارد والمصادر... ولم يدر الإمام أن الناس عامة إنما همهم حطام هذه الدنيا، فكان يعز عليه أن يعتقد أن الناس يدورون كيف دارت مصالحهم ومنافعهم، فلم يعاملهم كنا يجب أن يعاملهم رجل السياسة، وإنما عاملهم كما يعاملهم رجل الأخلاق، فكان من عواقب هذه المعاملة شكوه منهم في كل كلام وفي كل خطبة.
ويعلق سيد قطب فيقول: وهكذا يحكم على علي كرم الله وجهه بأنه كان يجهل النفس البشرية لمجرد أنه لم يستخدم الوسائل السياسية التي استخدمها خصماه معاوية وعمرو بن العاص، وأبسط نظرة تكشف أن هناك فرقا كبيرا بين معرفة السلاح واستخدام هذا السلاح، فلم يكن الفرق بين علي وبين خصميه أنه يجهل النفس البشرية وأنهما يعرفانها، إنما كان الفرق في حقيقته هو الرضى باستخدام كل سلاح يرضاه الخلق العالي أو يأباه، فعلي لم تكن تنقصه الخبرة بوسائل الغلبة ولا بنوازع النفوس البشرية وأهوائها، ولكنه لم يكن يتدنى لاستخدام الأسلحة القذرة جميعا، وفي رده على من أشاروا عليه بتوزيع المال لرشوة الضمائر ما يكفي " أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من الإسلام. فوالله لا أفعل ذلك ما لاح في السماء نجم "