سبحانه جعل الدنيا لما بعدها. وابتلى فيها أهلها. ليعلم أيهم أحسن عملا.
ولسنا للدنيا خلقنا. ولا بالسعي فيها أمرنا. وإنما وضعنا فيها لنبتلي بها. وقد ابتلاني الله بك وابتلاك بي. فجعل أحدنا حجة على الآخر. فغدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن. وطلبتني بما لم تجن يدي ولا لساني. وعصبته أنت وأهل الشام بي. وألب عالمكم جاهلكم. وقائمكم قاعدكم. فاتق الله في نفسك.
ونازع الشيطان قيادك. واصرف إلى الآخرة وجهك. فهي طريقنا وطريقك.
واحذر أن يصيبك الله منه بعاجل قارعة تمس الأصل. وتقطع الدابر. فإني أولى لك بالله ألية غير فاجرة. لئن جمعتني وإياك جوامع الأقدار لا أزال بباحتك " حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين " (1).
لقد أخبره أن الله جعل الدنيا طريقا إلى الآخرة. وابتلى فيها أهلها أي اختبرهم ليعلم أيهم أحسن عملا، وأخبره بأن الإنسان لم يؤمر بالسعي في الدنيا لها. بل أمر بالسعي فيها لغيرها. وكشف له الحقيقة التي يدثرها شعار قميص عثمان فقال: " فغدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن " أي تعديت وظلمت ومن هذا الظلم قولك: " أنا ولي عثمان ". وعلى طريق الظلم ألزمتني بما لم تجن يدي ولا لساني. وحرضتم الناس على هذا. ولم يلتفت معاوية إلى الحجة. وظل يتاجر بقميص عثمان فأرسل إليه الإمام رسالة قال فيها: فسبحان الله. ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة، والحيرة المتبعة. مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق:
التي هي لله تعالى طلبة. وعلى عباده حجة. فأما إكثارك الحجاج على عثمان وقتلته. فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك. وخذلته حيث كان النصر له، والسلام " (2).
ولقد رأينا كيف تثاقل معاوية عن نصرة عثمان، وفي هذا التخاذل والتثاقل يقول البلاذري وهو المعروف بالثقة والضبط " وإنما صنع ذلك معاوية ليقتل