يقول ابن أبي الحديد: وأعجب وأطرب ما جاء به الدهر، وإن كانت عجائبه وبدائعه جمة - أن يفضي أمر علي كرم لله وجهه إلى أن يصير معاوية ندا له ونظيرا مماثلا. يتعارضان الكتاب والجواب. ويتساويان فيما يواجه به أحدهما صاحبه. ولا يقول له علي كرم الله وجهه كلمة إلا قال مثلها. وأخشن مسا منها.
فليت محمد صلى الله عليه وسلم كان شاهد ذلك ليرى عيانا لا خبرا أن الدعوة التي قام بها. وقاسي أعظم المشاق في تحملها. وكابد الأهوال في الذب عنها. وضرب بالسيوف عليها لتأييد دولتها. وشيد أركانها. وملأ الآفاق بها.
خلصت صفوا عفوا لا عدائه الذين كذبوه لما دعا إليها. وأخرجه عن أوطانه لما حصن عليها. وأدموا وجهه وقتلوا عمه وأهله. فكأنه كان يسعى لهم ويدأب لراحتهم، كما قال أبو سفيان في أيام عثمان.
وقد مر بقبر حمزة. وضربه برجله وقال: يا أبا عمارة: إن الأمر الذي اختلفنا عليه بالسيف أمسي في يد غلماننا اليوم يتلعبون به ثم آل الأمر أن يفاخر معاوية عليا. كما يتفاخر الأكفاء والنظراء! ثم أقول ثانيا لأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ليت شعري. لماذا فتح باب الكتاب والجواب بينه وبين معاوية؟
وإذا كانت الضرورة قد قادت إلى ذلك فهلا اقتصر في الكتاب إليه على الموعظة من غير تعرض للمفاخرة (1) والمنافرة. وإذا كان لا بد منهما. فهلا اكتفى بهما من غير تعرض لأمر آخر يوجب المقابلة والمعارضة بمثله. وبأشد منه (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) (2)، وهلا دفع هذا الرحل العظيم الجليل نفسه عن سباب هذا السفيه الأحمق. هذا مع أنه القائل: من واجه الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون. أي افتروا عليه