ودرس مذهب الاعتزال على الجبائي رئيس معتزلة البصرة أربعين سنة (1). وظل الأشعري يؤمن بآراء أستاذه ويناضل عنها بحماس، ولكن الناس شاهدوا عليه تغييرا مفاجئا، حيث اعتكف في منزله بضعة أيام لا يرى أحد. ثم خرج على إثر ذلك فصعد المنبر في وسط جموع حاشدة من الناس ثم قال بعد أن نزع عباءته:
إني كما خرجت من هذه العباءة، أعلن برائتي من كل أخطائي السابقة، وأصرح بأن جميع آرائي الماضية باطلة (2). ويقول الشيخ أبو زهرة: إن الأشعري وجد من نفسه ما يبعده عن المعتزلة، مع أنه تغذى من موائدهم. ونال من ثمرات تفكيرهم، ثم وجد ميلا إلى آراء الفقهاء والمحدثين، مع أنه لم يغش مجالسهم ولم يدرس العقائد على طريقتهم (3).
وبدأ الأشعري يشن هجومه على المعتزلة. يقول الصعيدي في كتاب المجد دون في الإسلام: أنه كان الأجدر بالأشعري ألا يتنكر لمذهب مكث معتنقا صوابه أربعين سنة، كل هذا التنكر، لأنه بلا شك كان مخلصا في اعتقاده له كل هذه المدة، بل كان له وجهه من النظر يعتمد عليها فيه. ويرى معها أنه لا تنافي في الإسلام إن لم يكن هو الإسلام، فلا يصح أن ينفي الإسلام عن المعتزلة أو يقال أنهم فساق مسلمون، وإنما هم يثابون على صوابهم ويعذرون في خطأهم.
وقد انتفع) بهم خلقا كثيرا.. لم يكن من اللائق أن يبالغ في خصومتهم بعد مخالفته لهم لأنهم كانوا أساتذته (4). ويقول الدكتور حمودة في كتابه الأشعري:
كثير من الباحثين تعرض لأسباب تحول الأشعري. ويذكره ناقدوه تبعا لبعض الروايات عن معاصريه، أنه كان خاضعا في ذلك لضغط من أفراد أسرته، كما يحاول البعض الآخر تعليل ذلك برغبة إلى الحسن أن يستغل كراهة الشعب للمعتزلة، وأن يظفر بالبطولة والمجد على حسابهم (5).