الثالثة: التي يتفرع على القول بالعدل مسألة الأفعال الصادرة منا، هل نفعلها باختيار أو نحن مسيرون إليها. فقد ذهبت المعتزلة إلى أن الإنسان مختار في أفعاله. وأن أفعال العباد مخلوقة لهم وهي من كسب أنفهسم... وشبهوا أفعال الإنسان بالحركة الاختيارية، فإن الإنسان يفعلها على اختياره. وفرعوا على هذا القول أن الإنسان لو لم يكن مختارا في أفعاله لما جاز عذابه على عدم امتثاله، لأن العذاب متفرع عن عدم امتثال الأوامر الممكن إثباتها بمطلق إرادة العبد. وقالوا: أن العقل لا يجوز أن يكلف الإنسان بالإتيان بشئ هو مسلوب القدرة عنه، فإن قصر بالإتيان بشئ مسلوب القدرة عنه يعاقب ويعذب فإن هذا تكليف بالمحال. وقالوا: إن الإنسان المسلوب الاختيار لا يأتي الوعيد بحقه لأن الوعيد إنما يجئ في المسائل المقدورة للإنسان. والمسائل التي لا قدرة للخلق على الإتيان بها يقبح العقل العقاب عليها. ولا معنى لأن يقال للعبد. افعل وهو مسلوب الاختيار.. إنما يصح لمن يكون له حرية الاختيار، هذا من الوجهة العقلية، وأما النقل فقد استدلوا على حجة دعواهم بالآيات القرآنية. مثل قوله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله)، فهذه الآية من الآيات التي تذم عمل من الأعمال، وأما الآيات التي بها مدح للمؤمنين وذم للكافرين مثل قوله: (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت اليوم تجزون بما كنتم تعملون) (1).
وقالوا في الوعد والوعيد: إن الوعد والوعيد نازلان لا محالة. فوعد الله بالثواب واقع. ووعيده بالعقاب واقع أيضا. ووعده بقبول التوبة النصوح واقع أيضا. وهكذا فمن أحسن يجازي بالإحسان إحسانا، ومن أساء يجازي بالإساءة عذابا أليما. فلا عفو عن كبيرة من غير توبة، كما لا حرمان من ثواب لمن عمل خيرا. وإن هذا فيه رد على المرجئة الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. إذ لو صح هذا، لكان وعيد الله في مقام اللغو. قال