جذورها قبل ذلك. ونحن هنا سنلقي بعض من الضوء على مذاهب فكرية أخرى، كان لها الأثر البالغ بعد الدولة الأموية. ومن هذه المذاهب مذهب المعتزلة. يقول الشيخ أبو زهرة: نشأت هذه الفرقة في أواخر العصر الأموي.
وفي هذا الوقت دخل الإسلام طوائف من المجوس واليهود والنصارى وغير هؤلاء وأولئك، رؤوسهم ممتلئة بكل ما في هذه الأديان من تعاليم جرت في نفوسهم مجرى الدم. ومنهم من كان يظهر الإسلام ويبطن غيره. إما خوفا ورهبة، أو رجاء نفع دنيوي، وإما بقصد الفساد والإفساد وتضليل المسلمين.
وقد أخذ ذلك الفريق ينشر بين المسلمين ما يشككهم في عقائدهم. وظهرت ثمار غرسهم في فرق هادمة للإسلام تحمل اسمه ظاهرا وهي معاول هدمه في الحقيقة... وقد تصدى للدفاع عن الإسلام أمام هؤلاء، فرقة درست المعقول وفهمت المنقول فكانت المعتزلة (1). ولم يجد المعتزلة من الأمويين معارضة.
لأنهم لم يثيروا شغبا عليهم ولا حربا. إذ أنهم كانوا فرقة لا عمل لها إلا الفكر وقرع الحجة، ووزن الأمور بمقاييسها الصحيحة. ومع أن الأمويين لم يعارضوهم فهم أيضا لم يعاونوهم (2).
ويختلف العلماء في أساس بذرة المعتزلة. فبعضهم يرى أنها ابتدأت في قوم من أصحاب علي بن أبي طالب اعتزلوا السياسة، وانصرفوا إلى العقائد عندما صالح الحسن معاوية، ولزموا منازلهم ومساجدهم وقالوا: نشتغل بالعلم والعبادة. وبعضهم يرى أن رأس المعتزلة هو واصل بن عطاء... والمعتزلة في كتبهم يرون أن مذهبهم أقدم في نشأته من " واصل " ويعدون من رجال مذهبهم كثيرين من آل البيت (3). ويقول الشيخ أبو زهرة: والذي نراه أن المذهب أقدم من " واصل " وأن كثيرين من آل البيت قد نهجوا منهجه، كزيد بن علي الذي كان صديقا لواصل. ولكن واصلا من أبرز الدعاة، فكان عند الأكثرين رأسه لأنه أبرز