الأولى: أن الله يسير بالخلق إلى غاية ومصلحة، وهو حكيم ولا يصدر من الحكيم فعل لا تكون فيه مصلحة وغاية. وتلك المصلحة عائدة للمخلوقين.
وسبحانه لا يفعل شيئا به غاية لنفسه. فالوجود ومن فيه يسير ويمشي وراء غاية ومصلحة. والغاية تختلف بحسب المعنى وأهميته، فتارة تكون ظاهرة المنفعة ففعلها صلاح، وتارة تكون خفية لا تدرك العقول مصلحتها، وهذه إما أن يقنع العقل بوجودها، أو يشكك، فإن شكك يجب تزن بالمقياس البرهاني، فإن توافقا وإلا وجب طرحها.
الثانية: من لوازم العدل، أن الأوامر والنواهي الشرعية، ذات حسن وقبح ذاتي. وهي قبل أمر الشارع فيها حسن وقبح ذاتي - فالوديعة إذا ردت فيها حسن ذاتي قبل أمر الشارع فالحسن والقبح في الموجودات من الأمور الذاتية. وقالوا:
إن العقل هو المرجح، فما حكم بقبحه فلا بد أن يأتي به نهي من الشارع.
فالحسن من مقومات الذات لأنه عرض يتحكم به الشارع. وقالوا: إنا نعلم بالضرورة حسن بعض الأشياء وقبح بعضها من غير نظر إلى أمر الشارع. فإن كل عاقل يجزم بحسن الاحسان ويمدح فاعله، ويعلم بقبح الإساءة والظلم. وهذا الحكم ضروري لا يقبل الشك. وقالوا: لم نعلم حسن الأشياء وقبحها عقلا.
وقالوا: إن الله داعيا لفعل الحسن وليس له صارف عنه. وله صارف عن فعل القبيح وليس له داع إليه، وهو قادر على كل مقدور، ومع وجود المقدرة والداعي يجب الفعل. لأنه تعالى غني يستحيل عليه الحاجة وهو عالم بحسن الحسن وقبح القبيح. ومن المعلوم بالضرورة، أن العالم بالقبيح الغني عنه لا يصدر عنه. وأن العالم بالحسن القادر عليه إذا خلا عن جهات المفسدة فإنه يوجد. وتحريره أن الفعل بالنظر لذاته ممكن وواجب النظر إلى علته، وكل ممكن مستند إلى قادر. وعلته تتم بواسطة القدرة والداعي، فإذا وجد ما تقدم تم السبب. وعند تمام السبب يجب وجود الفعل. ولو جاز فعل القبيح منه تعالى أو الاخلال بالواجب، لارتفع الوثوق بوعده ووعيده، وأمكن تطرف الكذب عليه تعالى. ولجاز منه إظهار المعجزة على يد الكاذب. وذلك يقتضي الشك في صدق الأنبياء. وبطل الاستدلال بالمعجزة.