مرضي عنه (1). ولقد رد عليهم القرآن الكريم وبين أن الذين من قبلهم قالوا مثل قولهم فذاقوا العذاب، والعذاب لا يكون نتيجة لفعل رضي الله عنه.
ثم بين أن قولهم لا يستند إلا على الوهم والخيال. وتحداهم إن كان عندهم علم بهذا فليخرجوه. ولقد أراد طابور الشرك في مكة أن ينسج من مسائل القدر عقبات أمام الرسالة الخاتمة، ولكن القرآن الكريم أطاح بنسيجهم في آيات كثيرة ومنهم أيضا قوله تعالى: (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه شئ)، ثم صرف الله تعالى الخطاب عنهم لسقوط فهمهم وقال لنبيه: (كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين * ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) (2)، قال المفسرون: فكأنهم يقولون: لو كانت النواهي التي جاءت بها الرسالة حقة، وإن النواهي لله سبحانه، كان الله سبحانه شاء أن لا نعبد شيئا غيره، وأن لا نحرم دونه شيئا، ولو شاء الله سبحانه أن لا نعبد غيره ولا نحرم شيئا، لم تعبد ولم نحرم لاستحالة تخلف مراده عن إرادته، لكنا نعبد غيره، ونحرم أشياء، فليس يشاء شيئا من ذلك، فلا نهي ولا أمر منه تعالى، ولا شريعة ولا رسالة من قبله.
هذا تقرير حجتهم على ما يعطيه السياق ومغزى مرادهم. إن عبادتهم لغير الله وتحريمهم لما حرموه، وبالجملة عامة أعمالهم، لم تتعلق بها مشيئة من الله ينهي، ولو تعلقت لم يعملوها. ثم قال تعالى لنبيه: (كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسول إلا البلاغ المبين)، خطاب للبني يأمره تعالى أن يبلغ رسالته بلاغا مبينا، ولا يعتني بما لفقوه من الحجة، فإنها داحضة والحجة التامة عليهم بالبلاغ. فالذين من قبلهم قالوا بهذا ولو كان قولهم صحيحا ما أذاقهم الله بأسه ودمر عليهم. وهؤلاء ركبوا سنن الذين من قبلهم وقالوا قولهم، ولقد أرسل الله لهم رسولا ليزيل من عقولهم بصمات سلفهم الضال. فالبلاغ حجة