جسد واحد، قال تعالى: (إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا * فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا) (1).
فالخطاب لجبابرة قريش، ولم يقل لهم مثلا: كما أرسلنا إلى مدين رسولا، أو إلى ثمود رسولا، وإنما قال: (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا)، لقد وضعهم في كفة النمط البشري المستكبر الذي يتسلق من أجل العلو في الأرض.
وليس معنى هذا أن المجتمع القرشي كله في صدر الدعوة كان يحمل البصمة الفرعونية، لأن مجتمع فرعون موسى كان به مؤمن آل فرعون والسيدة آسية وفي هذا كفاية، لأن الدعوة لا تقاس باللحوم وكثرة العدد وإنما تقاس بالصدق والثبات على المبدأ. فقريش كانت تقف في الصدر الأول على أرضية الفراعنة.
وهم على نفس الأرضية خاطبهم القرآن، وذكرهم أن فرعون عصى الرسول وخطه المتمثل في هارون. ولما كانت المقدمة تحمل عصيان فإن النتيجة جاءت بالأخذ الوبيل.
والوليد بن عبد الملك كما ذكرنا كان الشخص الذي امتص التجربة كلها، داخل النفسية القرشية المتمثلة في الظالمين من بني أمية. وإذا كنا قد علمنا أن أوتاد الخيمة الفرعونية القديمة تقويم على أرضية مصالح الفرعون. والتي هي نفسها مصالح الدائرة الفرعونية من كهنة وغوغاء ورعاع. وأن أهم هذه الأوتاد قول فرعون (يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري) (2). وأن فرعون بقوله هذا قام بتعطيل منهاج الفطرة، وجعل من نفسه مصدرا للتشريع. ثم قوله: (ما أريكم إلا ما أرى) (3)، قال المفسرون: أي ما أقول لكم وأشير عليكم إلا ما أراه لنفسي. وإنه على يقين مما يهدي إليه قومه..... وأنه بهذا القول جعل من مقعده حيث الجهل والظلام منبرا للعلم، وأن هذه الأوتاد ما كان لها أن تقوم إلا على أرضية ثقافية استخفت بالعقول على دروب المتاجرة بالدين. ألم يقل لهم: