إلى عباده، كيف يعملون وإلى أين يفرون. وإذا كنا قد ذكرنا أن العقاب، على الجيل الأول، عموده الفقري أن يقوم هذا الجيل بتصحيح خطواته، وترتيب أوراقه، لأن على أوراقه ستأتي أجيال سيأخذون من ممارستهم، وأعمالهم، وقودا، ويتخذونهم قدوة، فإذا لم يصحح الأوائل خطاياهم، حتما سيقع فيها الأواخر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كم غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها " (1)، وقوله: " المرء مع من أحب " (2). وإذا كنا قد ذكرنا، أن العمود الفقري لحركة الإنسان العاقل في هذا الكون، هو الأخذ بالأسباب، لأن فيها يظهر الإنسان الذي يخشى الله بالغيب، والإيمان بالغيب هو وعاء المؤمنين الوحيد على هذا الكون المنظور، وعلى طريق الإيمان سار علي بن أبي طالب، وعمار، والحسين، وكل منهم كان يعلم بأنه مقتول في نهاية الطريق. فلم ينظروا إلى النتائج، لأن النتائج بيد الله، والله تعالى لا يضيع عمل الصالحين، الذين يخشونه بالغيب. وهؤلاء وغيرهم، هم الذين اشترى الله منهم أنفسهم، وأخبرهم على لسان رسول صلى الله عليه وآله وسلم، بمكان وكيفية قتلهم. فلم يتكاسلوا، وأخذوا بأسباب الحياة الأبدية، حتى قتلوا وربح بيعهم. فإذا كنا قد ذكرنا ذلك في أكثر من موضع فلم يبق إلا إلقاء ضوء يسير على رجل من الرجال، أخذ بأسباب النجاة، وكتمها في نفسه، وذلك عندما خطب الحجاج وجعل مرتبة عبد الملك فوق مرتبة النبوة. روى أبو داوود عن الربيع بن خالد قال: سمعت الحجاج يخطب فقال في خطبته: رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه، أم خليفته في أهله؟ قال الربيع: فقلت في نفسي: لله علي ألا أصلي خلفك أبدا، وإن وجدت قوما يجاهدونك، لأجاهدنك معهم. وروي أنه قاتل بعد ذلك في موقعة الجماجم حتى قتل (3).
(٣٤١)