لقد كانت أقوال الحجاج وأفعاله، تصطدم مع العقيدة، وهنا يكمن الامتحان الإلهي. وتحت هذا الامتحان، كان هناك من يدافع عن دينه، بيده، أو بلسانه، أو بقلبه، وكان هناك من فدى الحجاج بالمال والولد، وقاتل تحت راياته. وكان هناك أيضا من يريد أن يركب موجة المعارضة، ليصل إلى كرسي الحكم، كالمختار مثلا الذي انطلق من عباءة قال أنها هاشمية، وبتصريح من محمد بن الحنفية. والحقيقة تخالف ذلك. باختصار: كانت هناك معارضة، ولكنها بلا رأس فيه من الله برهان. لقد كان علي بن الحسين، يعيش في عالم الغربة، وكان في هذا العالم كثير البكاء. وقيل له في ذلك فقال: أن يعقوب عليه السلام بكى حتى ابيضت عيناه على يوسف، ولم يعلم أنه مات. وإني رأيت بضعة عشر من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة، فترون حزنهم يذهب من قلبي أبدا (1). وفي رواية قال: إنني كلما شربت الماء تذكرت ابن فاطمة.
وعلي بن الحسين كان علما وحده في هذه الساحة، ودليلا ينير لمن أراد أن يتوجه إليه، روي أن الزهري قارف ذنبا فاستوحش منه وهام على وجهه، وترك أهله وماله فلما اجتمع بعلي بن الحسين قال له علي: يا زهري قنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شئ، أعظم من ذنبك. فقال الزهري: " والله أعلم حيث يجعل رسالاته "، وفي رواية: أنه كان أصاب دما حراما خطأ، فأمره بالتوبة والاستغفار، وأن يبعث الدية إلى أهله. وعندما سمع منه الزهري قال: " والله أعلم حيث يجعل رسالاته " (2). لقد كان علي بن الحسين علما في الساحة. روي أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة أبيه، فطاف بالبيت، فلما أراد أن يستلم الحجر لم يتمكن حتى نصب له منبر، فاستلم وجلس عليه. وقام أهل الشام حوله، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين، فلما دنا من الحجر ليستلمه.
تنحى عنه الناس إجلالا له وهيبة واحتراما. فقال أهل الشام لهشام: من هذا؟
فقال: لا أعرفه استنقاصا به، واحتقارا، لئلا يرغب فيه أهل الشام. فقال