عمر، وجعلوه كمامة في عالم التلجيم والاحتناك، وعلى هذه الكمامة، تعددت الفرق، وافترقت الأمة إلى أكثر من سبعين شعبة، بعد أن أصبح للجدل أسواق.
لقد سلطوا الأضواء على موقف ابن عمر، وعتموا على مواقف أبي ذر، وعمار، والمقداد، وحجر بن عدي، وزيد بن صوحان، وغيرهم، ولا تخفى الأسباب على أصحاب الضمائر والأفهام والأبصار. وفوق هذا التعتيم، وضعوا عباءة عبد الله بن سبأ. فقالوا: إن ابن سبأ هو السبب في جميع الأحداث التي عصفت بالأمة. وأشهد أن ابن سبأ ما هو إلا أقصوصة، جاء بها عالم القص ليعتم بها على حركة التاريخ.
لم ينظر أصحاب الاحتناك إلا في مقدمة ابن عمر، ولم ينظروا إليه في نهاية الطريق، حيث كان يعلوه الندم. فعن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر. أنه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر، إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال: يا أبا عبد الله، إني والله لقد حرصت أن أتسم بسمتك، وأقتدي بك في أمر فرقة الناس، واعتزال الشر ما استطعت، وإني أقرأ آية من كتاب الله محكمة، قد أخذت بقلبي فأخبرني عنها، أرأيت قوله عز وجل: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما. فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله)، أخبرني عن هذه الآية.
فقال ابن عمر: ما لك ولذلك. انصرف عني. فانطلق الرجل حتى تواري عنا سواده. وعندما أقبل علينا عبد الله قال: ما وجدت في نفسي شيئا من أمر هذه الآية، ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عز وجل (1). وفي رواية قال: لم أجدني آسي على شئ، إلا أني، لم أقاتل الفئة الباغية مع علي (2).