طريق الأخذ بالأسباب، يقول تعالى: " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولم يأتكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) (1)، فهذه الآية تدل على دوام أمر الابتلاء والامتحان وجريانه على امتداد التاريخ الإنساني. والابتلاء والامتحان لا بد أن يكون له حركة، لينظر الله ماذا يفعل عباده وهو أعلم بحركاتهم وسكناتهم من أنفسهم. وأيضا في قوله تعالى: (وإن جندنا لهم الغالبون) (2)، فالمؤمنين الذين يعملون بأمر الله ويجاهدون في سبيله، ما داموا على هذا الطريق وهذه الصفة، فهم متصورون غالبون. ولكن لا بد لهم من الأخذ بالأسباب التي تحكمها الدعوة، وفي عالم الأسباب يكون الابتلاء والامتحان. يقول تعالى وهو يخاطب المؤمنين: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) (3)، إنه ضوء على الحركة لتستقيم المقدمات مع النتائج.
والإمام الحسين ادخره الله سبحانه لوقت سارت فيه الأمة في أعماق الفتن والابتلاء، وكان عليه السلام يعلم بأنه مقتول في نهاية الطريق، والذين من حوله يعرفون هذا جيدا. ولكنه لم يجئ ليقتل، وإنما جاء ليخرج أهل عصره من كهف مظلم، وأهل عصره أحرار في الاختيار، فمن أجابه ونصره يكون قد عبر قنطرة الدنيا بأمان - وركب معهم الذين جاؤوا من بعدهم، وفي الحديث: " المرء مع من أحب " (4)، ومن قاتله وسفك دمه فله عند الله عقوبة، وركب معه من أحبه، حتى يصير الناس إلى فسطاطين، إيمان لا نفاق فيه، ونفاق لا إيمان فيه.
حتى يأتي الله بأمره. فيركب المهدي فسطاط الأيمان. ويركب الدجال فسطاط النفاق. " وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة