بصمات شيطانية كي يحذر الناس منها، وفي علمه تعالى أن من عباده من سيقف أمام هذه العقبات باختياره، وقد بهرته زينتها.
وأخبرهم أنه واسع البلعوم سيدعو إلى سبه والبراءة منه، فأباح أمير المؤمنين لهم سبه، لأن الله تعالى قد أباح عند الاكراه التلفظ بكلمة الكفر. أما البراءة فأخبرهم بأنه لا يجوز التبري منه، لأنه منذ ولد لم يواقع قبيحا، ولا كان كافرا طرفة عين قط. ولا مخطئا ولا غالطا في شئ من الأشياء المتعلقة بالدين.
ولقد ثبت أن الذي وجد الدعوة لسب أمير المؤمنين والبراءة منه هو معاوية ابن أبي سفيان، وثبت أيضا أنه المقصود بواسع البلعوم. وذلك لما رواه الإمام مسلم عن ابن عباس. قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فادع معاوية. فلما ذهبت فدعوته له فقيل: إنه يأكل، فأخبرته، فقال في الثالثة: " لا أشبع الله بطنه " قال: فما شبع بعدها (1). وروى ابن أبي الحديد عن جلام قال:
كنت أحب أن أرى أبا ذر، لأنه رجل من قومي. فالتفت إليه فإذا رجل أسمر ضرب (2) من الرجال، خفيف العارضين في ظهره خبأ (3). فأقبل على معاوية وقال: ما أنا بعدو الله ولا لرسوله (4)، بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله، أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر، ولقد لعنك رسول الله صلى الله عليه وآله، ودعا عليك مرات ألا تشبع. سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " إذا ولي الأمة الواسع البلعوم، الذي يأكل ولا يشبع فلتأخذ الأمة حذرها منه "، فقال معاوية: ما أنا ذاك الرجل. قال أبو ذر: بل أنت ذلك الرجل. بل أنت ذلك الرجل، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله، وسمعته يقول وقد مررت به:
" اللهم العنه ولا تشبعه إلا بالتراب " فكتب معاوية إلى عثمان فيه (5).