تعجلني. وعندما سمع القوم هذا ارتفع الهرج وعلت الأصوات، وقالوا للإمام:
ابعث إليه فليأتك وإلا والله اعتزلناك. فبعث الإمام: أقبل إلي فإن الفتنة قد وقعت. وجاء الأشتر فقال لهم: يا أهل العراق، يا أهل الذل والوهن، حين علوتم القوم ظهرا، وظنوا أنكم لهم قاهرون. رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها، وقد والله تركوا ما أمر الله عز وجل به فيها وسنة من أنزلت عليه صلى الله عليه وسلم، فلا تجيبوهم امهلوني عدو الفرس، فإني قد طمعت في النصر.
قالوا: إذا ندخل معك في خطيئتك، ثم قالوا: لقد قاتلناهم في الله عز وجل، وندع قتالهم لله سبحانه. إنا لسنا مطيعيك ولا صاحبك فاجتنبنا. فقال: خدعتم والله فانخدعتم. ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم، يا أصحاب الجباه السود، كنا نظن صلواتكم زهادة في الدنيا وشوقا إلى لقاء الله عز وجل، فلا أري قراركم إلا إلى الدنيا من الموت إلا قبحا، يا أشباه النيب الجلالة. وما أنتم برائين بعدها عزا أبدا، فابعدوا كما بعد القوم الظالمين، فسبوه وسبهم. وقال الناس: قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا وبينهم حكما (1).
وروي أن الإمام كان ساكتا لا يتكلم، ثم قام فسكت الناس كلهم. فقال:
لقد فعلتم فعلة ضعضعت قوة، وأسقطت منه، وأوهنت وأورثت وهنا وذلة، ولما كنتم الأعليين وخاف عدوكم الاجتياح واستحربهم القتل ووجدوا ألم الجراح، رفعوا المصاحف، ودعوكم إلى ما فيها ليفثؤكم عنها ويقطعوا الحرب فيما بينكم وبينهم. ويتربصون ريب المنون خديعة ومكيدة. فأعطيتموهم ما سألوا. وأبيتم إلا أن تدهنوا وتجوزوا. وأيم الله ما أظنكم بعدها توافقون رشدا، ولا تصيبون باب خدم (2). وقال: أيها الناس. إن أمري لم يزل معكم على ما أحب. إلى أن أخذت منكم الحرب. وقد والله أخذت منكم وتركت. وأخذت من عدوكم فلم تترك. وإنها فيهم أنكى وأنهك. ألا إني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت ناهيا فأصبحت منهيا. وقد أحببتم البقاء. وليس