يكتب الكتاب بينه وبين معاوية وأهل الشام: أتقر أنهم مؤمنون مسلمون! فقال علي: ما أقر لمعاوية ولا لأصحابه أنهم مؤمنون ولا مسلمون. ولكن يكتب معاوية ما شاء بما شاء، ويقر بما شاء لنفسه ولأصحابه. ويسمي نفسه بما شاء وأصحابه (1).
وكان فيما كتب في الصحيفة. أن يحيى الحكمان ما أحياء القرآن، ويميتا ما أمات القرآن، ولا يتبعان الهوى ولا يداهنان (2) في شئ من ذلك. فإن فعلا فلا حكم لهما، والمسلمون في حكمهما براء (3). وقال أمير المؤمنين للحكمين:
على أن تحكما بما في كتاب الله. وكتاب الله كله لي. فإن لم تحكما بما في كتاب الله فلا حكومة لكما (4).
واتفقوا على موضع التحكيم بين الكوفة والشام. وخرج الأشعث ليقرأ الصحيفة على الناس. وجرى بين الأشعث وبين أناس منهم خطب طويل، وعندئذ قام عروة بن أذية، وهو أخو بلال الخارجي، فقال: أتحكمون في دين الله وأمره ونهيه الرجال؟ لا حكم إلا لله. فكان أول من قالها (5) وما أن قال عروة هذا حتى تباغض القوم جميعا، وأقبل بعضهم يتبرأ من بعض. تبرأ الأخ من أخيه والابن من أبيه، وأمر علي بن أبي طالب بالرحيل. لعلمه باختلاف الكلمة. وتفاوت الرأي. وعدم النظام لأمورهم، وما لحقه من الخلاف منهم.
وكثر التحكيم في جيش أهل العراق، وتضارب القوم بالمقارع ونعال السيوف وتسابوا. ولام كل فريق منهم الآخر في رأيه. وسار على نحو الكوفة. ولحق معاوية بدمشق (6).