والروايات الكثيرة تثبت أنهم كانوا يتجنبون ملاقاة أمير المؤمنين في المعركة.
لهذا جرى الإعداد على قدم وساق لضرب القاعدة بعد أن قتل العديد من الصحابة الأجلاء الذين كانوا يمثلون العمود الفقري لجيش الإمام. فشق الصف هو المنفذ الوحيد لخروجهم من المعركة والسعي بعد ذلك في طريق الفتنة للوصول إلى الكرسي. وكان المصحف وسيلتهم الوحيدة في ذلك. فرفع الكتاب وطلب التحكيم سيؤدي إلى وجود مؤيد ومعارض داخل معسكر الإمام. فالمؤيد سيكون من بين الذين يحكمون عواطفهم في الأمور ولا يفهمون من الدين إلا القليل، أو من الذين يكاتبونهم سرا. وفي جميع الحالات فإن رفع المصاحف سيكون انتصار للإعلام الأموي أمام العامة الذين شربوا مقولة أن جيش الإمام لا يصلي فكيف بهم إذا أذيع عليهم أن الإمام رد المصحف.
لقد كان فقه الرمز يعمل من أجل إيجاد فترة زمنية. إما أن يهلك جيش الإمام بعضه بعضا فيها. وإما أن يستدرج إلى فخ التحكيم. فإذا رفض الإمام قرارات هيئة التحكيم فهو أمام العامة والغوغاء خارج عن القانون. وإذا قبلها كان الكرسي لمعاوية ويسحب بساط العلم بالتأويل من تحت الإمام. وبسحب هذا البساط ضاع الدين. وابن العاص عندما عرض خطته على معاوية لم يجعل العمود الفقري فيها النجاة من حصار الأشتر لمعسكر أهل الشام، وإنما كان العمود يقوم على اجتماع تيارهم وتشتيت معسكر الإمام. وروي أنه قال لمعاوية:
هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعا ولا يزيدهم إلا فرقة. قال:
نعم، فقال: نرفع المصاحف. ثم نقول: ما فيها حكم بيننا وبينكم. فإن أبى بعضهم أن يقبلها. وجدت فيهم من يقول: بل ينبغي أن نقبل. فتكون فرقة تقع بينهم. وإن قالوا: بلى نقبل ما فيها. رفعنا هذا القتال عنا وهذه الحرب إلى أجل أو إلى حين " (1).
وأقر معاوية الخطة. وخرج ابن العاص ليعلن سياسة الرمز، فقال: أيها الناس. من كان معه مصحفا فليرفعه على رمحه. ونادوا: كتاب الله بيننا وبينكم.