من لثغور الشام بعد أهل الشام؟ ومن لثغور العراق بعد أهل العراق. ومن لجهاد الروم؟ ومن للترك؟ ومن للكفار؟ (1).
يقول المسعودي: ورفع في عسكر معاوية نحو من خمسمائة مصحف، فلما رأى كثير من أهل العراق ذلك، قالوا: نجيب إلى كتاب الله. وقيل لعلي:
قد أعطاك معاوية الحق. ودعاك إلى كتاب الله فاقبل منه وكان أشدهم في طلب التحكيم الأشعث بن قيس (2)، وكان أمير المؤمنين يعلم أن القوم يسيرون في طريق أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم. لقد تم ابتلاؤهم والنصر على الأعتاب. لقد خيروا بين الشعار والشعور بالشعار. فاختاروا الشعار بلا شعور.
اختاروا الطريق الذي تسير فيه أكثر من سبعين فرقة وكل فرقة تدعي أنها على الشعار الحق. وهل الشعار إلا حقا محضا وأن الابتلاء لا يكون إلا في الشعور.
كان الإمام يعلم أن القوم قد اختاروا طريق اللا دعوة، واللا دعوة تعني اللا ممارسة وهذا ينتهي إلى جحود الذين من قبلهم ليزاحموا أصحابها فيها، ويتبعونهم شبرا بشبر وذراعا بذراع، ثم ينتهي بهم المطاف فيكونوا غثاء، رخيصا، تافها، لا قيمة له. في علم تقرقع فيه أنياب الحيتان. وفي هذا العالم يذوقوا الذل، أي ذل.
وأخذ الإمام بالأسباب كما علمه أستاذ البشرية محمد صلى الله عليه وسلم فقال لهم: عباد الله. امضوا على حقكم وصدقكم قتال عدوكم، فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي السرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم. قد صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا، فكانوا شر أطفال وشر رجال. ويحكم أنهم ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها. وما رفعوها لكم إلا خدعة ومكيدة. قالوا: ما يسعنا أن ندعي إلى كتاب الله عز وجل فنأبى أن نقبله. فقال:
ويحكم. أنا أول من دعا إلى كتاب الله. وأول من أجاب إليه. وليس يحل لي، ولا يسعني في ديني أن أدعي إلى كتاب الله فلا أقبله. إني أقاتلهم ليدينوا