الرجلين - أي عمرو وأبو موسى - فرحل حتى دخل على أبي موسى كالزائر له.
فقال: يا أبا موسى. ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر وكره الدماء - وكان المغيرة مقيما بالطائف ولم يشهد الحرب - قال: أولئك خير الناس، خفت ظهورهم من دمائهم وخمصت بطونهم من أموالهم. ثم ذهب المغيرة إلى عمرو. فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر وكره الدماء، قال: أولئك شرارة الناس لم يعرفوا حقا ولم ينكروا باطلا. فرجع المغيرة إلى معاوية فقال له: قد ذقت الرجلين. أما أبو موسى فخالع صاحبه وجاعلها لرجل لم يشهد هذا الأمر، وهواه في عبد الله بن عمر، وأما عمرو بن العاص، فهو صاحبك الذي تعرف.
وقد ظن الناس أنه يرومها لنفسه. وأنه لا يرى أنك أحق بهذا الأمر منه (1).
لم يكن ابن العاص يمثل أي مشكلة لمعاوية، وإنما الذي كان يهم معاوية هو معرفة خامات أبي موسى الأشعري. وبعد أن تذوق المغيرة الخامات وأخبر بها معاوية، بدأت السياسة الأموية تعمل من أجل الوصول إلى أهدافها.
وروي: لما أراد أبو موسى المسير إلى دومة الجندل وهو المكان الذي اتفق ليكون مقرا للتحكيم. قال له ابن عباس: إن عليا لم يرض بك حكما لفضل عندك، والمتقدمون عليك كثير، وإن الناس أبوا غيرك، وإني لأظن ذلك لشر يراد بهم. وقد ضم داهية العرب معك - يعني عمرو - إن نسيت فلا تنسى أن عليا بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان. وليس فيه خصلة تباعده من الخلافة.
وليس في معاوية خصلة تقربه من الخلافة (2). وقال له: واعلم يا أبا موسى أن معاوية طليق الإسلام، وأن أباه رأس الأحزاب، وأنه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة، فإن زعم لك أن عمر وعثمان استعملا فلقد صدق، استعمله عمر وهو الوالي عليه. بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي ويوجره ما يكره. ثم استعمله عثمان برأي عمر، وما أكثر من استعملا ممن لم يدع الخلافة. واعلم أن لعمرو مع كل شئ يسرك خبيثا يسؤوك. ومهما نسيت فلا تنسى أن عليا بايعه.