فبوذا يؤسس دعوته على حصوله على المعرفة أو بعبارة أخرى على تجربته الروحية التي لا يمكن بيانها بالألفاظ، فدعوته حكاية عن تجربته وعن الطريق المؤدي إليها، وهو يقول إن الحق لا يعرف بالنظريات، بل بالسير في طريقه.
وعلى هذا لم يعن بوذا بالحديث عن الإله، ولم يشغل نفسه بالكلام عنه إثباتا أو إنكارا، وتحاشى كل ما يتصل بالبحوث اللاهوتية وما وراء الطبيعة أو عن القضايا الدقيقة في الكون، إذ كان يرى أن خلاص الإنسان متوقف عليه هو لا على الإله، ويرى أن الإنسان صانع مصيره. ومن كلماته في ذلك: كونوا لأنفسكم جزائر قائمة بنفسها، وكونوا لأنفسكم موائل وكهوفا، ولا تعتصموا بملاذ خارجي، ولا تحتموا بغير أنفسكم (1).
وكان ينهي أصحابه وزواره أن يخوضوا في هذه الأبحاث، ويوبخهم على سؤالهم عن قضايا دقيقة مجردة، ويأمرهم بالخوض في أعمالهم ودواعيها وميولهم وعواطفهم وعواملها، وقد سأله أحد مريديه مرة: هل الذات موجودة؟ فسكت، فسأله: هل الذات ليست موجودة؟ فظل ساكتا. فسأله: هل هذا الكون دائم أم غير دائم؟... وأخيرا قال بوذا لهذا المريد. هل قلت لك جئني أعلمك عن الذات وعن الكون؟ لا، لم أقل هذا، أيها المريدون لا تفكروا كما يفكر الناس، بل فكروا هكذا: هذا ألم. هذا مصدر الألم، هذا إعدام الألم.
هذا سبيل إعدام الألم..
ولكن بوذا اتجه أحيانا إلى جانب الانكار أكثر من اتجاهه إلى جانب الاثبات، فقد وقف في إحدى خطبه يسخر ممن يقولون بوجود الإله، وكان مما قاله في ذلك: إن المشايخ الذين يتكلمون عن الله، لم يروه وجها