ومن ملامحه ومخائله الدالة على كماله النفسي هي فطرته السليمة وسلامة سلوكه الخلقي والاجتماعي، وحدة ذكائه وقوة فطنته، وعفة نفسه ورفعة تواضعه، وصون لسانه عن الفضول، ولين عريكته، ورقة حاشيته وخفة روحه وأدبه الجم، وعذوبة منطقة، وفيض يده على عسره وشظف عيشه فهذه السجايا والخصال هي أهم صفاته الكمالية، وقد ورثها - بحكم قانون الوراثة - عن آباء آبائه البلاغيين البهاليل الكرام.
ومن مقومات شخصيته العلمية وملكته الفلسفية والأدبية كثرة ملازمته لأساطين الفنون العربية وأئمة الفقه الإسلامي وجهابذة الفلسفة والكلام، هؤلاء الفحول الذين كانت تحتضنهم مدينة " باب مدينة العلم " النجف الأشرف وهي أعظم جامعة إسلامية لشتى الفنون والعلوم القديمة، أما العلوم المتنوعة الحديثة فقد درسها على نفسه بالإضافة إلى اللغة الفارسية والإنجليزية والعبرية ومن أشهر شيوخه الذين ارتشف ونهل من نميرهم الصافي هم حجج الإسلام الشيخ محمد طه نجف، والحاج آغا رضا الهمداني، والأستاذ الأكبر الشيخ محمد كاظم الخراساني، والميرزا محمد تقي الشيرازي القائد الروحي للثورة العراقية الكبرى سنة 1920 م، وبعد أن ارتوى من تلك الينابيع الفياضة والمناهل العذاب نضجت مواهبه وملكته الاجتهادية، فاستولى على زمام الاجتهاد والاستنباط وصار إماما مجتهدا بجدارة واستحقاق ومجاهدا مضحيا بالنفس والنفيس في خدمة الحق وإبطال الأباطيل ورفع راية الإسلام، حتى أضحت داره كعبة القصاد ومدرسة النبهاء والفهماء، إذ امتازت بطابعها الخاص وهو فن المناظرة والجدل، ودراسة قواعد الدفاع وطرق النضال العلمية والفلسفية والأدبية في حومات المعارك الفكرية، كما كانت مدارس الاعتزال في العصر العباسي إزاء أصحاب الأديان والمعتقدات المتطرفة وأهل الآراء والمذاهب المخالفة لمذهب الاعتزال، وكانت مجاهدة الإمام البلاغي والمصابرة عليها ومصاولاته الفكرية المجهدة في رد اعتراضات الملحدين، وطعون أهل الأهواء أمثال جرجيس صال الإنكليزي، وصاحب كتاب " الهداية " المتكلف الضال مما ساعد على اشتهار الإمام البلاغي وذيوع صيته في الشرق والغرب، حتى أصبحت مدرسته مناخ العقليين الهائمين وراء الحقائق، وداره المتواضعة محط