يطلعا على الآيات التي أشار إليها " ابن العربي " وإنما اتبعا مجمل كلامه لموافقته لأهوائهما، وسنتعرض إن شاء الله لشرح مضامين هذه الآيات عند التعرض لما في القرآن الكريم من التعليم بمكارم الأخلاق والحكمة البالغة في إظهار دين الحق فترتاح إلى نفحات الهدى واليقين وتعرف نسبه الآيات المشار إليها من آية السيف المذكورة.
ومن الاشتباه والخلط ما ينقل من دعوى " ابن العربي " أن آخر آية السيف قد نسخ أولها، وها قد تلوناها عليك، وذكرنا لك صراحتها وسوقها، وقد عرفت في أوائل المقدمة معنى النسخ، فهل تجد لهذه الدعوى وجها مقبولا.
ومن العجب أن الإتقان قد نقل قبل هذا عن " ابن العربي " نفسه قوله بأن ما يخصص باستثناء أو غاية ليس من المنسوخ، وذلك كقوله تعالى: (إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا فاعفوا واصفحوا حتى يأتي أمر الله) فكيف إذن يقول: إن أول آية السيف منسوخ بآخرها وهو قوله تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم).
ومن الاشتباه ما عن " ابن العربي " أيضا في قوله الله تعالى في سورة المائدة 104 (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) حيث قال: " أي اهتديتم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " فجعل هذا ناسخا لقوله تعالى: " عليكم أنفسكم " زاعما أن معناه لا تتعرضوا لغيركم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا توهم فإنه لا دلالة في الآية على ذلك أصلا، بل معناها نحو ما قاله الكشاف عليكم أنفسكم وما كلفتم من إصلاحها والسلوك بها في نهج الهدى وذلك باتباع دين الحق والشريعة المقدسة والتأدب بآدابها، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن من تركهما مع القدرة عليهما فليس بمهتد، بل إن تركهما حينئذ من الضلال المقابل للهدى، ومع ذلك فليت شعري من أين لابن العربي تقييد الاهتداء وتفسيره بخصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أخذه من روايات الآحاد فإن ما رواه الكشاف في هذا المقام عن " ابن مسعود " و " أبي ثعلبة " عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لصريح بخلاف ما يدعيه ابن العربي من النسخ.