الأفعال لا أول لها.. إذ كنا نعتقد إن الله تعالى ابتدأها وإنه موجود قبلها، ووافقونا بقولهم: لا آخر لها، لأنهم وإن ذهبوا في ذلك إلى بقاء الدنيا على ما هي عليه واستمرار الأفعال فيها وإنه لا آخر لها.
فإنا نذهب في دوام الأفعال إلى وجه آخر، وهو تقضي أمر الدنيا وانتقال الحكم إلى الآخرة، واستمرار الأفعال فيها من نعيم الجنة الذي لا ينقطع عن أهلها، وعذاب النار الذي لا ينقضي عن المخلدين فيها، فأفعال الله عز وجل من هذا الوجه لا آخر لها.
وهؤلاء - أيدك الله - هم الدهرية القائلون: بأن الدهر سرمدية لا أول له ولا آخر، وإن كل حركة تحرك بها الفلك فقد تحرك قبلها بحركة من غير نهاية وسيتحرك بعدها بحركة بعدها حركة لا إلى غاية، وأنه لا يوم إلا وقد كان قبله ليلة ولا ليلة إلا وقد كان قبلها يوم، ولا إنسان إلا أن يكون من نطفة ولا نطفة تكونت إلا من انسان، ولا طائر إلا من بيضة ولا بيضة إلا من طائر، ولا شجرة إلا من حبة ولا حبة إلا من شجرة..
وإن هذه الحوادث لم تزل تتعاقب ولا تزال كذلك، ليس للماضي فيها بداية ولا للمستقبل فيها نهاية، وهي مع ذلك صنعة لصانع لم يتقدمها وحكمة من لم يوجد قبلها، وإن الصنعة والصانع قديمان لم يزالا..!
تعالى الله الذي لا قديم سواه وله الحمد على ما أسداه من معرفة الحق وأولاه، وأنا بعون الله أورد لك طرفا من الأدلة على بطلان ما ادعاه الملحدون وفساد ما تخيله الدهريون (1).