فإذا تدبر العاقل للأحاديث الصحيحة الثابتة عند هؤلاء وأمثالهم، عرف الصدق من الكذب، فإن هؤلاء من أكمل الناس معرفة بذلك، وأشدهم رغبة في التمييز بين الصدق والكذب، وأعظمهم ذبا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم المهاجرون إلى سنته وحديثه والأنصار له في الدين، يقصدون ضبط ما قاله وتبليغه للناس، وينفون عنه ما كذبه الكاذبون، وغلط فيه الغالطون، ومن شركهم في عملهم علم ما قالوه، وعلم بعض قدرهم، وإلا فليسلم القوس إلى باريها، كما يسلم إلى الأطباء طبهم، وإلى النحاة نحوهم، وإلى الفقهاء فقههم، وإلى الحساب حسابهم، وإلى أهل العلم بالأوقات علمهم " (1).
فهذا الكلام صريح في أن " يحيى بن معين " ممن كملت خبرته، وكبرت معرفته، بحال النبي صلى الله عليه وآله وحديثه، وأن ما صححه صدق، وأنه لا بد من تسليم أمر التمييز بين الصدق والكذب إليه...
فلماذا يقف هذا الموقف تجاه حديث مدينة العلم الذي ثبت تصحيح يحيى ابن معين إياه؟
وهل هذا إلا تهافت؟
وأيضا، فإن من رواة حديث مدينة العلم هو " أحمد بن حنبل "، وقد عرفت من كلمات ابن تيمية ثنائه على أحمد أيضا، إذ قد ذكره في عداد أئمة الحديث ونقدته وحفاظه...
لقد روى أحمد بن حنبل حديث مدينة العلم في فضائل ومناقب سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام بطرق متعددة، أفهل يعقل أن يروي أحمد حديثا موضوعا بطرق عديدة، ويعده من فضائل علي عليه السلام، وهو ومصنفاته على تلك الجلالة والعظمة التي وصفه بها ابن تيمية؟
ولو كان حديث أنا مدينة العلم من الموضوعات لجعل ابن تيمية مصنفات