والغزارة بحيث لو أخذ منه أهل العالم كلهم أجمعون لوسعهم من غير أن تنفد علومه، وأنى كان للكوفة وأهلها أن يسعوا غالب علمه عليه السلام وهو القائل على منبر الكوفة: " سلوني قبل أن تفقدوني، فإنما بين الجوانح مني علم جم، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا ما زقني رسول الله صلى الله عليه وآله زقا من غير وحي أوحى الله إلي، فوالله لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، حتى ينطق الله التوراة والإنجيل، فيقول: صدق علي، أفتاكم بما أنزل في، وأنتم تتلون الكتاب، أفلا تعقلون ".
وكان يقول عليه السلام مشيرا إلى صدره الشريف: " كم من علوم ههنا لو وجدت لها حاملا ".
وقال أيضا: " لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير سورة الفاتحة ".
وإن أراد ابن تيمية أن غالب ما ظهر من علومه كان بالكوفة، ففيه: إن غالب علمه كان بالمدينة لا بالكوفة، فإن رجوع الشيوخ الثلاثة وغيرهم من الأصحاب إليه في المعضلات والمشكلات كان بالمدينة، وأما في الكوفة فلم يتفرغ للتعليم والارشاد، لاشتغاله عليه السلام فيها غالبا بما يتعلق بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
قال: " ومع هذا فأهل الكوفة قد تعلموا القرآن والسنة من قبل أن يتولى عثمان فضلا عن علي ".
أقول: يريد ابن تيمية تعلم أهل الكوفة القرآن والسنة على عهد عمر بن الخطاب، ولكن هذا توهم باطل وخيال فاسد، وذلك لوجوه:
الأول: إن الكوفة إنما اختطت للمسلمين في السنة السابعة عشرة، وقد كان موت عمر بن الخطاب في السنة الثالثة والعشرين من الهجرة، فكيف تعلم أهل الكوفة القرآن والسنة - أو أكثرهما - في مدة ستة سنوات، مع أن عمر بن