وإن عجز عن ذلك كله ادعى أن إمامه اطلع على كل مروي أو جله، فما ترك هذا الحديث الشريف إلا وقد اطلع على طعن فيه برأيه المنيف فيتخذ علماء مذهبه أربابا، ويفتح لمناقبهم وكراماتهم أبوابا، ويعتقد أن كل من خالف ذلك لم يوافق صوابا، وإن نصحه أحد من علماء السنة اتخذه عدوا ولو كانوا قبل ذلك أحبابا!
رأي مالك وأصحابه ورأي الإمام ملك وأصحابه أنهم يقولون: تثبت السنة من وجهين:
أحدهما: أن تجد الأئمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا بما يوافقها.
الثاني: ألا نجد الناس اختلفوا فيها.
وقد كان رضي الله عنه يراعي كل المراعاة العمل المستمر الأكثر ويترك ما سوى ذلك، وإن جاء فيه أحاديث، وقال: أحب الأحاديث إلي ما اجتمع الناس عليه.
ولنعد إلى ما نحن بصدده:
قال الشاطبي في الموافقات (١): قال الإمام مالك في حديث غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا: جاء هذا الحديث ولا أدري ما حقيقته! وكان يضعفه ويقول: يؤكل صيده فكيف يكره لعابه؟ وأهمل مالك كذلك اعتبار حديث: من مات وعليه صوم صام عنه وليه (٢) وذلك للأصل القرآني: ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ (3).
وقال ابن العربي: إذا جاء خبر الواحد معارضا لقاعدة من قواعد الشرع، فهل يجوز العمل به أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا يجوز العمل به،