الظن، ولا يجوز البناء على الظن في المطالب الكلامية، ذلك بأن الأساس في علم الكلام هو دائما أن (الدلائل النقلية لا تفيد اليقين) (1)، فمن ذلك حديث: تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أؤثرت بالمتكبرين والمتجبرين. وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم!
قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي! وقال للنار:
إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي.
ولكل واحدة منهما ماؤها، فأما النار، فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول، قط، قط، قط، فهنالك تمتلئ، ويزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا، وأما الجنة، فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا... إلى آخره. وهذا الحديث متفق عليه أخرجه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة، بلفظ: اختصمت الجنة والنار إلى ربهما - الحديث - وفيه أنه ينشئ للنار خلقا.
وفي رواية لمسلم (حتى يضع الله رجله)، وذهب المحققون إلى أن الراوي أراد أن يذكر الجنة فذهل فسبق لسانه إلى النار.
فهذا الحديث ونظائره - وهي كثيرة - يبعد على المتكلم أن يقول بصحتها فضلا عن أن يجزم بذلك! وإذا الجئ إلى القول بصحتها لم يأل جهدا في تأويلها، ولو على وجه لا يساعد اللفظ عليه بحيث يعلم السامع أن المتكلم لا يقول بجوازه في الباطن، وقد نشأت بسبب ذلك عداوة شديدة بين المتكلمين والمحدثين، يعرفها من نظر في كتب التأريخ، حتى أن المتكلمين سموا جمهور المحدثين بالمشبهة، والمحدثين سموهم بالمعطلة.
الفقهاء:
وأما الفقهاء، فقد عرف من حالهم أنهم يؤولون كل حديث يخالف ما ذهب إليه علماء مذهبهم - ولو كان من المتأخرين - أو يعارضون الحديث