الذي هو شعاع الله تعالى هو في الحقيقة شعاع علمه التام وارادته الكاملة، وانه وجد وسيبقى بهما، برغم كون علمه وارادته عين ذاته وأزليين وأبديين كذاته، وبما ان إرادة الله هي العلة التامة لأصل الكون، وان ارادته كانت منذ الأزل، وهو بحسب المصطلح فاعل تام الفاعلية، أمكن القول بان أصل الكون الذي هو معلول وشعاع عنه عز وجل، كان موجودا منذ الأزل مرتبطا به.
وعليه يكون الكون بأجمعه في مصطلح الفلاسفة " حادثا ذاتيا " لا " حادثا زمانيا "، اي لا يمكن القول بان الكون لم يكن موجودا في زمان ثم وجد؛ وذلك لان الزمان مقدار الحركة وينتزع من الحركة، وموضوع الحركة هو المادة، فيكون الزمان توأم الحركة والمادة، ولا يمكن تصوره سابقا عليهما، فلو كان الزمان قبل الكون كانت الحركة والمادة كذلك قهرا، في حين ان الزمان والمادة و الحركة من أجزاء الكون، فعليه لا يمكن فرض الزمان قبل الكون، وان المتقدم على الكون تقدما ذاتيا لا زمانيا هو الله تعالى وارادته، ولكن بما ان لكل ظاهرة جزئية من ظواهر عالم المادة شروطها المخصوصة التي توجد على مر الزمان، فإنها ستوجد قهرا بعد توفر شروطها المخصوصة في زمان خاص.
فمثلا أنا وأنت من الحوادث الزمانية؛ إذ ان وجودنا - مضافا إلى إرادة الله تعالى - رهن بالشرائط المادية المخصوصة، من قبيل الوالدين وشروط أخرى للتوليد توجد في زمن خاص، وعلى حد تعبير الفلاسفة " ان عالم المادة - الذي هو قسم من العالم أجمع - توأم الحركة "، بل وفقا " للحركة الجوهرية " هو عين الحركة، والتدريج ذاتي لها، أي ان كل درجة ومرتبة من الحركة تؤخذ بعين الاعتبار انما تظهر في حد مخصوص، فلو أردت صعود سلم ذي عشر درجات،